زوجتي تحبني جدًا، لدرجة أنها بعد أن أنجبت الولد المفعوص "مصطفى" ظلت تحمد الله ذاهبة آتية، وفي كل صلاة إنه طلع " ناصح" ولم يأخذ مني شيئا، ولم تتلوث ملامحه بلمحة مني!
وهذا دليل مؤكد على أن الولد هيبقى له مستقبل إن شاء الله ومش هيبور!!
لم يمضِ سوى أسبوع على الولادة.. ثم وقد ضبطتها مرة تحرك ذراع الولد يمينا ويسارًا، تحجَّجَتْ أنها تريده قويا عندما يكبر، وله عضلات و"بيشيل حديد"!!
وهي الأمنية التي ظلت تلحّ عليّ بها لفترة، فأعاجلها بالموال المعتاد: "ومين اللي يصرف ع البيت بقى إن شاء الله؟!.. وعلى دروس الحديد كمان.. أقعد أنا بقى أتمرن وتشتغلي إنتي"!
وفي مناسبات أخرى: "ما هي لو مسألة قوة.. يبقى التور أنفع للست من الراجل".. والغريب أنها لم تكن تنفي قولي أبدًا، وإن كانت لا تجرؤ على تأكيده!!
والمرأة عندما تنجب، تتحول إلى "أم" فقط!، وتنتفي عنها صفة "الزوجة" مؤقتًا أو مؤبدًا حسب التساهيل!!
بمعنى آخر: لا بد أن تتعلم -عزيزي الشاب.. عزيزي المقبل على الزواج- منذ البداية الكي والغسيل والطبيخ والكنس والنوم واقفًا، وربما تغيير اللفائف أيضًا!!
فكل طلب وكل أمنية ولو كانت مجرد الحصول على كوب شاي تُجابَهُ بألف حجة وحجة:
"الواد تعبان ولازم أفضل جنبه"
"برضع الواد.. ترضعه إنت على ما أعملك اللي إنت عايزه؟!"
"يعني هتموت لو ما شربتش -خليك مؤدب ومشيها ما شربتش!- شاي دلوقتي؟!.. و.. و..!!
نافورة أعذار، لا بد أن تسارع وترفع شمسيتك فورًا فوق رأسك، حتى لا تبتلّ وتصاب بالبرد أو ما هو أسوأ!!
....................
من بعيد.. من "راديو" على المعاش ينطق بآخر شيء سوف يقوله في حياته، يأتيني صوت الأغنية خالدة الذكر: "يا نوم.. يا نوم.. يا نوم"!!
فأجهشُ بالبكاء مع الكلمات الحبيبة، التي جاءت على الجرح فأدمَتْه..دمته وأضعُ يدي على صدري، وأتسند على الحائط، فهي تذكِّرني بعزيز فُقِد، وصديق وفِيٍّ انتقل إلى رحمة الله تعالى، بلا أمل في بعث ولا قيامة!
فالمحروس إذا استيقظ، تبدأ مظاهرة حمله، والطواف به في كل أرجاء المنزل، وكل مواطن صالح يتصادف وجوده في المنطقة يريد أن ينال هذا الشرف العظيم!
ثم في مرحلة ثانية، يبكي ويصرخ مطالبًا بحقه الذي كفله له الدستور في الرضاعة وتناول الـ 150 وجبة التي هي مسئولية في رقبة أمه!
فيأتون له بأمه -في التو واللحظة- ولو كانت في سابع نومة أو تستحمّ أو تأكل أو تلبي نداء الطبيعة!!
وإن نام، فهو يوضَع بكل إجلال واحترام على الفراش، ثم توضع فوقه "الناموسية" لتحتلّ نصف الفراش على أقل تقدير، وما يتبقى من حيز فلأمّه اللي الجنة تحت أقدامها بكل تأكيد!!
ولا يكون أمامي إلا افتراش الأرض على مرتبة إسفنجية خلابة وتسليم أمري لله!!
فباقي حجرات المنزل مشغولة ومأهولة بالسكان في هذه الفترة، والكلُّ على أهبة الاستعداد لتلبية أدنى إشارة من جناب حضرة "النونو" الهمام!!
ولكن هذا النعيم الذي أصفه لا يدوم، ولا يلبث أن يتبخر فورًا، مع أول "واء" مباركة تصدر عن المخلوق المقدس، فيتم فتح جميع الأنوار، ويدخل البشر من كل اتجاه، ويوقظون أمه، والكل يجري ناحيته، حتى يمكن أن يطأوني في طريقهم ولا يلتفتون لصوتي وأنا أحاول تنبيههم للحيز الذي أشغله من الفراغ!!!
وهذا "السيناريو" يمكن أن يتكرر في أي ساعة من ليل أو نهار!!
...........................
مرة قلت لأمه وأنا أكاد أسقط من الإعياء والمصاريف: "تيجي نهرب"!!
فقالت لي بابتسامة رقيقة وساحرة: "اهرب أنت يا حبيبي.. وما تخافش.. هابقى أقول له إن كان ليه أب زمان"!!
بتحبني.. بتحبني أكيد!