منتدى جنة
منتدى جنة
منتدى جنة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


‏جمال الدنيا‏:‏ ينبع من عينيك‏ !
 
الرئيسيةمفاتيح جنةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الصوفيه ... ونشأتها وتطورها

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
لوجين
عضو فضى
عضو فضى
لوجين


ذكر عدد الرسائل : 1099
العمر : 34
السٌّمعَة : 5
نقاط : 53276
تاريخ التسجيل : 27/02/2010

الصوفيه ... ونشأتها وتطورها Empty
مُساهمةموضوع: الصوفيه ... ونشأتها وتطورها   الصوفيه ... ونشأتها وتطورها I_icon_minitimeالأربعاء مارس 03, 2010 12:51 am

[size=24]دراسات في الفرق
[size=16]الصوفية
نشأتها
وتطورها


تأليف
محمد العبْده طارق عبد
الحليم

الطبعة الرابعة
1422 هـ - 2001 م
قامت
شبكة الدفاع عن السنة بنشر هذا الكتاب على الإنترنت ، نسأل الله أن يجعل عملنا
خالصاً لوجهه الكريم

" عندما يكون الفكر الإسلامي في حالة أفول ـ كما هو
حاله في الوقت الحاضر ـ فإنه يغرق في التصوف وفي المبهم وفي المشوش , وفي النزعة
إلى التقليد الأعمى ".
مالك بن نبـي

" حين خبت تلك النار داخل الصدور
بدأ المسلمون يزحفون إلى المقامات ".
محمد إقبال

بسم
الله الرحمن الرحيم



إن الحمد لله نحمده ونستغفره, ونعوذ بالله
من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له,
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:

1_فإن هذا البحث عن الصوفية لم يقصد به الاستقصاء لكل ما كتب عن
الصوفية أو كل ما كتب الصوفية أو كل ما كتب الصوفية عن أنفسهم والتفتيش عن أقوالهم
وآرائهم وطرقهم بالتفصيل, فإن هذا شيء يطول وليس عن غرضنا, بل الهدف الذي وضعناه
نصب أعيننا هو إعطاء فكرة مركزة موجزة عن الصوفية لأناس ينشدون الحق وتحصيله بعيداً
عن هذا الركام من الفرق والتفرق, ولذلك فإن معرفة أصولهم ومراحل تطورهم, والبدع
التي وقعوا فيها ورؤوس طرقهم تكفي لمعرفة حالهم وأما الغارقون في التصوف فقد قال
السلف عنهم: إن صاحب البدعة قل أن يرجع عنها.
2_نحن لا
نكتب عن صوفية كانت وبادت أو هي جزء من التراث كما يقال اليوم بل هي موجودة موصلة
بالماضي, بل نستطيع أن نقول أنهم عادوا بعد أن انحسر ظلهم قليلاً, عادوا بقوة لغاية
في نفس من يستفيد من عودتهم ليزاحم بهم دعوة الإسلام الحق, فالبريلوية في المشرق
والتجانية في المغرب و بينهما الشاذلية والبرهانية .. إلى آخر أسماء الطرق التي لا
تنتهي, عادوا إلى المدينة ومكة بعد أن خلت منهم عشرات السنين. فلماذا لا ننبه
المسلمين إلى أخطائهم وخطرهم؟

3_عندما نتكلم عن
الصوفية فإنما نقصد المعنى الاصطلاحي, أي الصوفية التي جاءت بكتب ومصطلحات خاصة,
فيها إشكالات وبعد عن المنهج الإسلامي الصحيح أدت فيما بعد إلى أمور خطيرة مثل
الإتحاد والحلول, فهذا لا شك أنه تفرق وبعد عن خط أهل السنة والجماعة, وأما الذين
يقولون: إنما نعني بالصوفية السلوك الإسلامي وترقيق القلوب والزهد في الدنيا فيقال
لهم: لماذا تسمون هذه الأشياء صوفية وقد أصبحت علماً على رموز وأشكال تخالف الإسلام
فهلاّ ابتعدتم عن الشبهات وتركتم هذه الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان "
والزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف" .
"والذين اكتفوا بحسن الخلق والزهد في
الدنيا والتأدب بآداب الشرع لقبوا بالنساك والقراء والزهاد والعباد, والذين أقبلوا
على دراسة النفوس وآفاتها وما يرد على القلب من خواطر وحرصوا على الصيغة المذهبية
لقبوا بالصوفية" .

فالقضية ليست قضية سلوك وإنما هي أساليب مستحدثة مخترعة
أعجمية في الرياضات الروحية أدت إلى الشطح والقول على الله بغير على فغاية الصوفية
الاتصال بالله ـ بزعمهم ـ والبعد عن الناس, وهذا مضاد لمنهج الأنبياء الذين لم
يبعثوا إلا ليهزوا أركان العالم ويوقظوا الناس من سباتهم, ولذلك فنحن لا نعتبر
أعلام الزهاد والعباد كإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وأمثالهم داخلين في الصوفية
بهذا المعنى الذي نقرره , فضلاً عن أن نعتبر أمثال الحسن البصري ومن قبله كما يحاول
الصوفية أن يقرروا وبدون حياء كما يصفهم ابن الجوزي, وكل فرقة تحاول التمويه على
الناس وتنسب إليها أعلام أهل السنة, فكل الأحاديث الباطلة والمضحكة عند الشيعة
الإمامية تنسب إلى جعفر الصادق وهو بريء منها وهو من أئمة أهل السنة.


والفرق بين الزهد الأول والتصوف هو كالفرق بين التشيع بمعناه اللغوي الذي
هو المناصرة والمحبة لعلي رضي الله عنه بدون غلو وبين التشيع الذي استقر أخيراً
كفرقة لها عقائدها المميزة بعد أن أدخلت الباطنية الغلو في علي توسلاً إلى الطعن في
الصحابة, وهكذا بثت الباطنية تعاليمها الإلحادية في غلاة الصوفية .
1_إن اعتبار الصوفية (فرقة ) لا بد أن يثير الاستغراب والتساؤل,
لأن الاعتقاد السائد أنهم من غمار أهل السنة.

وجواباً على هذا الاعتراض
نقول: إذا كانت الصوفية تعتقد أن طريق الوصول إلى الله سبحانه وتعالى بالكشف والذوق
والرياضيات الروحية التي ما أنزل الله بها من سلطان, فلا شك أن هذا تفرق مذموم فكيف
بمن يتكلم بالحلول والإتحاد, فهذا كفر صريح. وإذا كان علماء السلف قد ذموا علم
الكلام وما جرَّ وراءه من بدع وتفرق, وإن كان بعض العلماء الذين خاضوا فيه قصدوا
الدفاع عن الإسلام بنوايا حسنة, فكيف لا يذم من ابتدع طريق التصوف الأعجمي في
الفناء والرهبانية وذكر الله بالرقص والدف " ومن يعتقد أن لأحد طريقاً إلى الله من
غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر من أولياء الشيطان" .

ثم إن
هناك من العلماء الذين كتبوا في موضوع (الفرق) من اعتبرها كذلك, كالرازي في كتابه
(اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ) قال: " اعلم أن أكثر من قص فرق الأمة لم يذكر
الصوفية وذلك خطأ .. " , ثم ذكر طبقاتهم وفرقهم. وقد جعل ابن النديم في كتابه
(الفهرست) المقالة الخامسة ( في السياح والزهاد والعباد والمتصوفة المتكلمين على
الخطرات والوساوس ) .

وعقد ابن حزم في كتابه ( الفصل في الملل والنحل )
فصلاً لذكر ( شنع قوم لا تعرف فرقهم ) ثم قال: " وادعت طائف من الصوفية أن في
أولياء الله من هو أفضل من جميع الأنبياء, وأن من عرف الله فقد سقطت عنه الأعمال"
.

وجاء في كتاب ( البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ) لعباس بن منصور
الحنبلي: " ولم يشذ أحد منهم ـ أي عن أهل السنة والجماعة ـ سوى فرقة واحدة تسمت
بالصوفية يتقربون لأهل السنة وليسوا منهم وقد خالفوهم في الاعتقاد والأفعال "
والظاهر أن المؤلف يتكلم عن
غلاة الصوفية.

والقصد
أننا لا نعني بكلمة فرقة إلا التفرق المذموم في الشرع وهو الابتعاد عن أصالة
الإسلام الذي يمثله جيل الصحابة ومن تبع أثرهم. ونحن نعلم أن هناك أفاضل ينتسبون
إلى التصوف ولكن هذا لا يمنع من الكلام عن الصوفية بشكل عام, وهؤلاء العلماء أخذوا
بجانب الصوفية لظنهم أنها الطريق الوحيد لتربية النفس, وهذا خطأ منهم, ومع ذلك فهم
لا يتعمقون في التصوف المنحرف المؤدي إلى البطالة أو الكفر, والمرجئة كذلك تصنف مع
الفرق ومع ذلك فقد ابتلي بها بعض العلماء فإذا اعتبرنا الصوفية فرقة ابتعدت قيلاً
أو كثيراً عن منهج السلف فلا يعني هذا أن كل من انتسب إليها ضال منحرف, فقد يكون من
أعظم العباد ولكن فيه نقصاً في جانب من جوانب الإسلام الشامل المتكامل والمسلم يكون
فيه من النقص بمقدار ابتعاده عن السنة.

1_ونحن لا
ننكر أن أوائل الصوفية أثروا الجانب الروحي ـ إذا صح التعبير ـ بكلامهم عن أعمال
القلوب و خطراتها والتركيز على الإخلاص والتوكل والإنابة والخشية لله سبحانه وتعالى
ولكنهم تشددوا في هذا ونقبوا عما لم ينقب عليه من هو أفضل منهم, كما أننا لا ننكر
أن البعض في الطرف المقابل قد يكون عنده قسوة قلب وهذا مرفوض أيضاً, بل هذا فيه شبه
باليهود الذي وصفهم الله سبحانه في القرآن بأن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة, كما أن
عبادة الله دون علم فيه شبه بالنصارى والتوسط المعتدل هو المطلوب, " صراط الذين
أنعمت عليهم " فلا نكون كالمغضوب عليهم وهم اليهود, ولا كالضالين وهم
النصارى.
1_إن التصوف بالمعنى الاصطلاحي الذي قررناه
مستمر إلى الآن وله أثر سلبي واضح في تربية الأجيال المسلمة, تربية الإذلال
والعبودية للشيخ, وتصديق كل ما هو غير معقول؟! إنها مأساة حقيقة أن يظهر بين الفينة
والأخرى دجال كذاب يمشي وراءه شباب من طلبة الكليات العلمية وغير العلمية, عدا
العوام وأنصاف العوام. هذه التربية جعلت من هؤلاء الشباب أصفاراً بلهاء ينتظرون
كلمة من الشيخ أو معجزة خارقة على يديه.

يقول ابن عقيل
محذراً من الصوفية والمتكلمين:


[ ما على الشريعة أضرمن المتكلمين
والمتصوفين, فهؤلاء ( المتكلمون ) يفسدون عقائد الناس بتوهمات شبهات العقول, وهؤلاء
( المتصوفة ) يفسدون الأعمال ويهدمون قوانين الأديان. فالذي يقول: حدثني قلبي عن
ربي فقد استغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد خبرت طريقة الفريقين فغاية
هؤلاء ( المتكلمين ) الشك, وغاية هؤلاء ( المتصوفة ) الشطح ] .

لهذه الأسباب
ولاستمرار المتصوفة في تخريب الأجيال الإسلامية في كل مكان كان لا بد من الكتابة
عنهم, ونحن إن شاء الله لا نبخس الناس أقدارهم ولكن كل طائفة أو فرقة تظن أنها
وحدها على الحق, وكل حزب بما لديهم فرحون, فهم يظنون أنهم أفضل الخلق, وأنهم صفوة
أوليائه, فالغزالي يعتقد أن هذا هو الطريق ولا طريق غيره لتصفية النفس, وكأنه لم
يسمع بشيء اسمه أهل السنة والجماعة أو أهل الحديث, أهل العلم والعمل أمثال أحمد بن
حنبل وعبد الله بن المبارك وأئمة أهل الفقه والحديث وهم كثيرون جداً .

والذي
يقرأ في أول شدوه للعلم كتب الغزالي أو الحارث المحاسبي يظن أن هذا هو الطريق ولا
طريق غيره, وتبقى الحقيقة وراء كل ذلك قائمة كالشمس في رابعة النهار, تلوح لمن صح
قصده, وأصاب علمه, وانتهج الصراط المستقيم.

وأخيراً نرجو من الله سبحانه
وتعالى أن نوفق لعرض نشأة الصوفية وتطورها بدون تعصب أو تحامل والله من وراء القصد,
والحمد لله رب العالمي



الفصل الأوَّل
تطوّر
الصوفيَّة


لم تكن الصوفية ـ بطبيعتها ـ فرقة واضحة متميزة حتى يمكن
للباحث تتبع تطورها طوراً طوراً عبر السنين وإنما هي فرقة ( هلامية ) ليس لها شكل
محدد, فقد تجد معتنقي أفكارها مَنْ هم من الفقهاء, أو تجدهم متميزين ببدعهم مدعين
الانتساب لأهل السنة, وهذا الأمر مما يُصّعب مهمة الباحث في أطوار الصوفية عندما
يقصد إلى التحديد الدقيق لمراحلها المختلفة.

ومن ثم سنحاول بيان هذه
الأطوار بذكر المعالم الرئيسية التي مرت بها الفرق عبر القرون, وما قد يكون من ظهور
أفكار كبرى تصلح أن يعتبرها الباحث مرحلة من المراحل, فهو تطور امتزج فيه التاريخ
بالفكر, فما أصعب أن تنفصل عرى الارتباط الذي دام من منشأ هذا التفرق حتى يوم الناس
هذا.

وقد قسمنا مراحل تطور الصوفية إلى ثلاثة مراحل مسبوقة بتمهيد لها وهو
ظهور طبقة العباد والزهاد في المجتمع الإسلامي.

ثم أول المراحل وهم أوائل
الصوفية الذين يصح أن يقال فيهم: من هنا بدأ التفرق, تتبعها مرحلة المصطلحات التي
استقلت بها الفرقة, ثم ظهور فكرة وحدة الوجود وتداخلها في فكر الصوفية مع امتزاجها
بالفلسفة الغنوصية اليونانية .


* *
*








المبْحثُ الأَوَّل
المجتمع الإسلاميُ وظهُور طبقة العُبَّاد

نشأ المجتمع
الإسلامي الأول نشأة طبيعية متكاملة غير متكلفة, جمعت بين بقايا من الفطرة السليمة
والوحي المنزل من عند الله سبحانه وتعالى, كان العرب يومها وخاصة أهل المدن كقريش و
الأوس والخزرج أقرب إلى الفطرة من الأمم الأخرى, فلا ريب أن الله اختار لنبيه أفضل
الأجيال, رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنفه ورعايته فكانوا: " كزرع أخرج
شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ... " . وعندما
يبدر من أحدهم أي اجتهاد يخالف الحنيفية السمحة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصحح لهم الطريق ويعود بهم إلى الجادة المستقيمة, وعندما همّ ثلاثة من الصحابة بترك
الدنيا من نساء وأموال بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بردهم إلى الطريق الوسط
قائلاً لهم: " أما أنا فأصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي
فليس مني " .

فالتوسط هو الأصل " وإذا نظرت في عمومات الشريعة, فتأملها
تجدها حاملة على الوسط, فطرف التشديد يؤتي به في المقابلة من غلب عليه الانحلال,
وطرف التخفيف في مقابلة من غلب عليه الحرج الشديد فإذا لم يكن هذا ولا ذاك رأيت
التوسط لائحاً وهو الأصل الذي يرجع إليه " .

كان الصحابة رضوان الله عليهم
فيهم الفقير والغني, وفيهم التاجر والمزارع والعامل وكان بعضهم يتناوب الحضور
للتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم ويبلغه للآخرين, وأما أهل الصفة فإنهم لم
ينقطعوا للعبادة أو العلم باختيارهم وإنما كان أحدهم إذا وجد عملاً ترك حاله
الأولى, هكذا كانت حياة الصحابة حياة طبيعية تجمع بين العلم والعمل والجهاد في سبيل
الله, وبينما هو متعلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو بين أهله وولده
وضيعة يمارس حياته اليومية المعتادة. والتزام أحدهم بعبادة معينة أكثر من الآخرين
كفعل عبد الله بن عمرو بن العاص لا يغير من الصورة شيئاً, فهو شخصية متكاملة ولا
تزال الفوارق الفردية تمايز بين الناس في جانب دون آخر. فهم كما وصفهم الإمام
الجويني: " ولم يرهق وجوههم الكريمة وهج البدع والأهواء ولم يقتحموا جراثيم اختلاف
الآراء كالبيضة التي لا تتشظى" .

وكان التابعون وكثير من تابعي التابعين
على مثل ذلك, يجمعون بين العلم والعمل, بين العبادة والبعد عن الناس مع علمهم
وفضلهم والتزامهم بآداب الشريعة, ولأسباب معينة قد يغلب على أحدهم الخوف الشديد
والبكاء المستمر, فهؤلاء وإن كانت أحوالهم عالية جداً, ولكن أحوال الصحابة ومن
اقتفى أثرهم من التابعين أفضل, ولذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لأصحابه:
" أنتم أكثر صوماً وصلاة من أصحاب محمد وهم كانوا خيراً منكم قالوا: لم يا أبا عبد
الرحمن؟ قال: لأنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة" .

ومن هؤلاء العباد في المدينة:

عامر بن عبد الله بن الزبير:
كان يواصل في الصوم فيقول والده: رأيت أبا بكر وعمر ولم يكونا هكذا .

صفوان
بن سليم: من الثقات قال عنه أحمد بن حنبل: يستشفى بحديثه وينزل القطر من السماء
بذكره, وكان يصلي على السطح في الليلة الباردة لئلا يجيئه النوم, وقد أعطى الله
عهداً أن لا يضع جنبه على فراش حتى يلحق بربه, توفي سنة 132هـ . فإذا كان ما أورده
الذهبي صحيحاً فهذا خلاف قوله صلى الله عليه وسلم ( وأصلي وأنام ).

ومنهم في
البصرة طلق بن حبيب العنزي, من كبار العاملين, وعطاء السلمي بكى حتى عمش
.

ومنهم كرز بن وبر الحارثي نزيل جرجان: من العباد والزهاد قال عنه الذهبي:"
هكذا كان زهاد السلف وعبادهم أصحاب خوف وخشوع وتعبد وقنوع لا يدخلون في الدنيا
وشهواتها ولا في عبارات أحدثها المتأخرون من الفناء والاتحاد" .

ومنهم في
الكوفة: الأسود بن يزيد بن قيس: كان يجهد نفسه في الصوم والعبادة حتى يصفرَّ جسمه .
وداود الطائي, يذكر عنه أنه ورث بيتاً فكان لا يعمره إذا خربت ناحية منه حتى خرب
البيت كله وجلس في زاوية منه, وقد نحل جداً من قلة الأكل .

ويبدو أن من
أسباب ظهور طبقة العباد والزهاد في القرن الثاني الهجري هو إقبال الناس على الدنيا
يجمعون منها ويتفاخرون , فكانت ردة الفعل عند البعض هي الابتعاد الكلي عنها, ولا بد
أن هناك أسباباً أخرى قد تكون شخصية, وقد تكون من أثر إقليم معين أو مدينة معينة,
فإن من الخطأ تفسير ظاهرة ما بسبب واحد.

ثم حدثت مرحلة انتقالية بين هذا
الزهد المشروع وبين التصوف حين أصبح له تآليف خاصة, ويمثل هذه النقلة مالك دينار
فنراه يدعو إلى أمور ليست عند الزهاد السابقين, منها التجرد أي ترك الزواج, وهو
نفسه امتنع عن الزواج وكان يقول: " لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته
كأنها أرملة ويأوي إلى مزابل الكلاب" . ويقول: " إنه لتأتي عَلَيّ السنة لا آكل
فيها لحماً إلا في يوم الأضحى, فإني آكل من أضحيتي" . وكثيراً ما يقول: قرأت في بعض
الكتب, قرأت في التوراة,ويروى عن عيسى عليه السلام: " بحق أقول لكم, إن أكل الشعير
والنوم على المزابل مع الكلاب لقليل في طلب الفردوس " أو قوله: " أوحى الله إلى نبي
من الأنبياء " أو " قرأت في الزبور ... " .

فمن الواضح ومن خلال قراءة
ترجمته في كتب الطبقات أنه متأثر بما ترويه الكتب القديمة عن الزهاد والرهبان ..
ومن الواضح أن هذه الكتب قد حرفت ولسنا مأمورين بقراءتها بل منهيون عن الأخذ منهم
وتقليدهم.

وربما يكون عبد الواحد بن زيد ورابعة العدوية من أقطاب هذه
المرحلة الانتقالية, واستحدثت كلمة العشق للتعبير عن المحبة بين العبد والرب
ويرددون أحاديث باطلة في ذلك مثل: " إذا كان الغالب على عبدي الاشتغال بي جعلت
نعيمه ولذته في ذكري عشقني وعشقته " وبدأ الكلام حول العبادة لا طمعاً في الجنة ولا
خوفاً من النار, وإنما قصد الحب الإلهي, وهذا مخالف للآية الكريمة: " يدعوننا رغبا
ورهباً " . ومثل قول رابعة لرجل رأته يضم صبياً من أهله ويقبله : " ما كنت أحسب أن
في قلبك موضعاً فارغً لمحبة غيره تبارك اسمه " . وهذا تعمق وتكلف لأن الرسول صلى
الله عليه وسلم كان يقبل أولاد ابنته ويحبهم .

يقول ابن تيمية : ملاحظاً :
هذا التطور : " في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء : الرأي , والكلام, والتصوف,
فكان جمهور الرأي في الكوفة, وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة, فإنه بعد موت
الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وظهر أحمد بن علي الهجيمي وبنى
دويرة للصوفية وهي أول ما بني في الإسلام ( أي دار خاصة للالتقاء على ذكر أو سماع )
وصار لهم من التعبد المحدث طريق يتمسكون به, مع تمسكهم بغالب التعبد المشروع, وصار
لهم حال من السماع والصوت, وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل, وأما
الشاميون فكان غالبهم مجاهدين " .

كما لخص هذا التطور الإمام ابن الجوزي
فقال : " في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كانت كلمة مؤمن ومسلم, ثم نشأت كلمة
زاهد وعابد, ثم نشأ أقوام وتعلقوا بالزهد والتعبد واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها,
هكذا كان أوائل القوم ولبَّس عليهم إبليس أشياء ثم على من بعدهم إلى أن تمكن من
المتأخرين غاية التمكن " .

هؤلاء الذين اتخذوا طريقة تفردوا بها ويسميهم
ابن الجوزي ( أوائل القوم ) الذين جمعوا بين الزهد وبين التعمق والتشدد والتفتيش
على الوساوس والخطرات مما لم يكن على عهد السلف الأول, هؤلاء هم الذين سنتكلم عنهم
في الفصل القادم إن شاء الله.
المبحث
الثاني
أوائل الصوفية 
تطورت الصوفية حتى وصلت إلى الغلو, من
البدع العملية إلى البدع القولية الإعتقادية, بعد أن دخلت عليها عناصر خارجية, وهي
كأي تفرق يبدأ بسيطاً ساذجاً ثم ينتقل إلى التأصيل والتفريع ثم الإيغال في الضلال.
ويمكن تقسيم هذا التطور إلى ثلاث مراحل: أوائل الصوفية ومن مشى على طريقتهم ثم تقيد
الصوفية بمصطلحات خاصة ثم دخول الفلسفة الغنوصية وظهور نظريات الاتحاد ووحدة
الوجود. هذه المراحل أو الطبقات ليست منفصلة عن بعضها وغير محددة بزمن معين وانتهت,
بحيث أن كل مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها, ولكن هذا التطور حصل في العصور
الإسلامية فكان الغالب على بدايات التصوف عدم الغلو, ثم إن التصوف بلغ قمة الانحراف
في القرن السابع على يد ابن عربي وابن الفارض وأمثالهما, وصوفية اليوم مزيج من
الانحراف العملي والعلمي فر يزال يوجد من يردد أقوال الغلاة عن علم وعن غير علم.


إن من أعلام المرحلة الأولى من هو في القرن الثالث كالجنيد والسري السقطي ,
ومنهم في القرن الرابع كأبي طالب المكي وبداية القرن الخامس كأبي عبد الرحمن السلمي
كما أنه ظهر مبكراً من يقول بالحلول كالحلاج ولكن هذا كان شاذاً بالنسبة لانتشار
الغلو في القرون المتأخرة . فالقصد أن هذا التقسيم هو للغالب على كل مرحلة .


أوائل الصوفية

عرف التصوف في بداياته بأنه
رياضات نفسية ومجاهدات للطباع , وكسر لشهوات النفوس وتعذيب للجسد كي تصفو الروح ,
وإذا كان هذا الصفاء الروحي يأتي بدون تكلف عند السلف نتيجة التربية المتكاملة فنحن
هنا بصدد تشدد وتكلف لحضور هذا الصفاء , وبصدد تنقير وتفتيش عن الإخلاص يصل إلى حد
الوساوس , وسنرى من أقوالهم وأحوالهم ما يؤيد هذا .

قال الجنيد – ويسمونه
سيد الطائفة - : " ما أخذنا التصوف عن القيل والقال بل عن الجوع وترك الدنيا وقطع
المألوفات " . ويصف معروف الكرخي نفسه فيقول : " كنت أصبح دهري كله صائماً , فإن
دعيت إلى طعام أكلت ولم أقل إني صائم " ويقول بشر الحافي : " إني لأشتهي شواء
ورقاقاً منذ خمسين سنة ما صفا لي درهم " . ويرى الجنيد عند شيخه السري السقطي خرف
كوز مكسور فيسأله عن ذلك فيقول : أبردت لي ابنتي ماء في هذا الكوز ثم غلبتني عيني
فرأيت جارية فسألتها لمن أنت ؟ فقالت : لمن لا يشرب الماء البارد وضربته بيدها
فانكسر . ويروي الجنيد عن بعض الكبراء أنه إذا نام ينادي : أتنام عني! إن نمت
لأضربنك بالسياط , وحكى الغزالي عن سهل بن عبد الله أنه كان يقتات ورق النبق مرة ,
ويشجع الغزالي على السياحة في البراري بشرط التعود على أكل أعشاب البرية والصيد !؟


ومن آداب الصوفية عند أبي نصر السراج : ( إيثار الذل على العز , واستحباب
الشدة على الرخاء ) , ورتبوا أموراً لمن يريد الدخول معهم أو للمريد ومنها : اشتراط
الخروج من المال كما يذكر القشيري في رسالته , وأن يقلل من غذائه بالتدريج شيئاً
بعد شيء وأن يترك التزوج ما دام في سلوكه , و أما أبو طالب المكي فيطلب من المريد
ألا يزيد على رغيفين في اليوم والليلة , والجنيد يطلب من المريد ألا يشغل نفسه
بالحديث . كل هذه الأمور تخالف التوسط والحنيفية السمحاء وتخالف ما كان علية
الصحابة ومن ميزات هذه المرحلة :
1-استحداث ما يسمونه ( السماع ) وهو الاستماع
إلى القصائد الزهدية المرققة , أو إلى قصائد ظاهرها الغزل ويقولون : نحن نقصد بها
الرسول صلى الله عليه وسلم , ومنشدهم يسمونه ( القوّال ) ويستعمل الألحان المطربة .

2-بدأ الكلام عن كيان خاص مميز يسمى ( الصوفية ) وظهرت كلمات مثل ( طريقتنا ) و
( مذهبنا ) و ( علمنا) يقول الجنيد : " علمنا هذا مشتبك بحديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم " .
ويقول أبو سليمان الداراني : " إنه لتمر بقلبي النكتة من نكت
القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة " .
فلماذا (علمنا) ولماذا (
من نكت القوم ) .
3-صنفت الكتب التي تجمع أخبار الزهد والزهاد وتخلط الصحيح
بغير الصحيح وتتكلم عن خطرات النفوس والقلوب والدعوة إلى الفقر وتنقل عن أهل الكتاب
, مثل كتب الحارث المحاسبي , وأبي طالب المكي في ( قوت القلوب ) , وصنف لهم أبو عبد
الرحمن السلمي في التفسير , وأبو نعيم الأصفهاني في ( حلية الأولياء ) . يقول ابن
خلدون : " أصل طريقتهم محاسبة النفس والكلام في هذه الأذواق ثم ترقوا إلى التأليف
في هذا الفن فألفوا في الورع والمحاسبة كما فعل القشيري في ( الرسالة ) وذلك بعد أن
كانت الطريقة عبادة فقط " .
ولنا على هذه المرحلة الملاحظات التالية :


1. هذا التعمق والتشدد في العبادات مع ترك المباحات لم يعهد عند السلف
رضوان الله عليهم , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل اللحم ويحب الحلوى
ويستعذب له الماء البارد , ولم يأمر صلى الله عليه وسلم أحداً من أصحابه بالخروج عن
ماله , والتشدد في الدين كدوام الصيام والقيام هو داء رهبان اليهود والنصارى , وترك
التزوج وإدامة الجوع فيه شبه بالتبتل الذي رده الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض
أصحابه , وبسبب هذه الرياضات فقد ابن عطاء الأدمي البغدادي عقله ثمانية عشر عاماً ,
وقال الذهبي معلقاً على ذلك : " ثبت الله علينا عقولنا فمن تسبب في زوال عقله بجوع
ورياضة صعبة فقد عصى وأثم " .
وأما السياحة ف البراري فهي من السياحة المنهي
عنها , وهي من الرهبانية المبتدعة , وكأنهم لم يسمعوا بالحديث الذي رواه أبو داود
عن أبي أمامة أن رجلاً قال : يا رسول الله أئذن لي في السياحة , قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " .

يقول ابن تيمية
: " وأما السياحة التي هي الخروج في البرية فليست من عمل هذه الأمة " , وقول الإمام
الذهبي : " الطريقة المثلي هي المحمدية , وهو الأخذ من الطيبات , وتناول الشهوات
المباحة من غير إسراف , فلم يشرع لنا الرهبانية ولا الوصال ولا صوم الدهر والجوع
أبو جاد الترهب " . " وقد لُبِّس عليهم في ترك المال كله , وكانت مقاصدهم حسنة
وأفعالهم خطأ والعجيب من الحارث المحاسبي والغزالي كيف حثوا على ذلك , وأما استشهاد
الحارث بأن عبدالرحمن بن عوف يوقف في عرصة القيامة بسبب مال كسبه من حلال فهذا خطأ
وجهل بالعلم وقصة حبس ابن عوف غير صحيحة , ولم ينه الله عز وجل عن جمع المال وإنما
النهي عن القصد بالجمع " .

إن السلف عندما فهموا الإسلام فهماً صحيحاً لم
يتعمقوا ويشددوا على أنفسهم , فهذا سيد التابعين سعيد بن المسيب يقول له مولاه برد
: ما رأيت أحسن ما يصنع هؤلاء , قال سعيد : ما يصنعون ؟ قال : يصلي أحدهم الظهر ثم
لا يزال صافاً رجليه يصلي حتى العصر , قال سعيد : ويحك يا برد, أما والله ما هي
بالعبادة , تدري ما العبادة ؟ إنما العبادة التفكر في أمر الله والكف عن محارم الله
.

إن هذا الجسد مطية للنفس فإذا لم تعط هذه المطية حقها لم تستطع أن تحمل
النفس بآمالها الكبيرة , ولكن عندما يحدث الزهد غير المشروع والتبتل والجوع وترك
اللحم , الاقتصار على كسرة الخبز وشربة الماء و عندئذ تلزمه خطرات النفس ويسمع
أشياء تتولد عن الجوع والسهر , وربما أدى به إلى أمراض نفسية , " والوصول إلى
العبادة لا يكون إلا بالحياة الدنيا ولا سبيل إلى ذلك إلا بحفظ البدن " " ومجرد ترك
الدنيا ليس في كتاب الله ولا سنة نبيه وما فيه ضرر في الدنيا مذموم إذا لم يكن
نافعاً في الآخرة " .

1_ إن الزهد الحقيقي هو الزهد في الدنيا حتى يستوي
عنده ذهبها وترابها والزهد في مدح الناس أو ذمهم , فمن كان هكذا فهو من أطباء
القلوب , فإن بدا منه ما يخالف الشريعة نَرُدَّ عليه بدعته ونضربها في وجهه . وقد
مدح الخليفة العباسي المنصور عمرو بن عبيد المعتزلي على زهده فعلق ابن كثير : "
الزهد لا يدل على صلاح فإن بعض الرهبان قد يكون عنده من الزهد مالا يطيقه عمرو ولا
كثير من المسلمين " .

2.قد يظن العوام الذين يرون عبادة هؤلاء أنهم أفضل من
الصحابة , لأنهم لم يسمعوا أن الصحابة كانوا يفعلون مثل هذا والناس يعجبون بالغرائب
والتشدد , ولا يعلمون أن الشريعة جاءت بالطريق الأوسط الأعدل , وقلة العلم بالآثار
والسنن هي التي أوصلت بعض هؤلاء الناس إلى التشدد , وظنوا أن القصد من الشريعة هو
العمل ولذلك فلا داعي للعلم , وإذا كان من الصعب تكامل الشخصية الإسلامية على مستوى
جيل من الناس كما وجد عند الصحابة فلا أقل من اقتفاء آثارهم ما أمكننا ذلك ولا
نتطرف في ناحية دون أخرى .

3.إن السماع الذي استحدثوه هو الذي أنكره الشافعي
رضي الله عنه عندما زار بغداد وقال : " خلفت ببغداد شيئاً يسمونه التغيير يصدون به
الناس عن القرآن " , ويقول ابن تيمية : " وهذا حدث في أواخر المائة الثانية وكان
أهله من خيار الصوفية " ويقول أيضاً: " وهذه القصائد الملحنة والاجتماع عليها لم
يحضرها أكابر الشيوخ كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم والكرخي , وقد حضرها طائفة
منهم ثم تابوا وكان الجنيد لا يحضره في آخر عمره " .

4. قلنا أنه بدأ
الكلام عن كيان خاص يسمى ( الصوفية ) وقد يقول معترض : إذا كانت القضية قضية أسماء
مستحدثة فقد حدث الانتساب إلى الفقه الشافعي والمالكية ... أو الانتساب إلى الحديث
, والجواب هو أنه إذا كانت الأسماء المستحدثة تنسب على علم شرعي يحبه الله ورسوله
مثل تعلم الفقه والحديث , ولا يؤدي هذا الانتساب إلى تعصب حول شخص معين فلا مانع من
ذلك " والانتساب قد يكون محموداً شرعاً مثل المهاجرون والأنصار وقد يكون مباحاً
كالانتساب إلى القبائل والأمصار بقصد التعريف فقط , وقد يكون مكروهاً أو محرماً
كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية " .

5.إن الكتب التي صنفت في هذه
الفترة والتي ذكرنا بعضاً منها , هذه الكتب كان للعلماء فيها رأي , قال ابن الجوزي
عن كتاب ( قوت القلوب ) : ذكر فيه الأحاديث الباطلة والموضوعة وقال عن ( حلية
الأولياء ) لأبي نعيم : لم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً
وسادات الصحابة عليه وسئل أبو زرعة عن كتب المحاسبي فقال : إياك وهذه الكتب , فقيل
له : في هذه عبرة , قال : من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه
الكتب عبرة .

6.في هذه المرحلة المبكرة يبدو أن هناك تأثيراً للنصارى في
تكون القناعات بتعذيب الجسد كي تصفو الروح . روى أحمد بن أبي الحواري قصة لقائه
براهب دير حرملة وقد سأله عن سبب رهبانيته فقال : البدن خلق من الأرض والروح خلقت
من ملكوت السماء فإذا جاع بدنه وأعراه وأسهره نازع الروح إلى الموضع الذي خرج منه
وإذا أطعمه وأراحه أخلد إلى الأرض وأحب الدنيا . حدث أبي الحواري شيخه أبا سليمان
الداراني بمقالة الراهب هذه فقال الشيخ " ( إنهم يصفون ) وكأنه أعجب بكلام الراهب
ولذلك علق الذهبي عليه بقوله : ( الطريقة المثلي المحمدية ) .

7. إن أهل هذه
الطبقة من الصوفية صادقون في زهدهم وبعدهم عن الدنيا ولكن فيهم تعمق وتشدد ووساوس
لم يأمر بها الشارع بل لا يحبها ونحن لا نستبعد أن يكون هناك من يريد إفساد عقائد
المسلمين فإدخال العقائد الباطنية ويكون فعله هذا من وراء ستار كما أخذوا التشيع
بالمعنى السياسي وأدخلوه في دهاليز الباطنية , ولذلك يبدر منهم أحياناً كلمات
تجعلنا نتوقف عندها طويلاً كما يروى عن الجنيد أنه قال للشبلي : نحن حبرنا هذا
العلم تحبيراً ثم خبأناه في السراديب فجئت أنت فأظهرته على رؤؤس الملأ " . مع أن
بعض العلماء يستبعد كلمات تنسب إليه مثل قوله ( انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة )
يقول ابن تيمية : " فيه نظر , هل قاله؟ والجنيد الاستقامة غالبة عليه " .


هذه هي حال الطبقة الأولى فيها زهد مشروع خلط بغير المشروع مع أن أحوالهم
في العبادة والأذكار والبعد عن الرياء أحوال عالية , ثم تطور الأمر بعد هذا بإدخال
مصطلحات فيها حق وباطل أو تحتمل هذا وذاك وزاد الانحراف واتسعت الفرجة والبعد عن
السنة وهو ما سنتكلم عنه الفصل القادم إن شاء الله .

* * *
المبحث الثالث
المصطلحات والغموض

إن أي انحراف عن السنة
ولو كان قليلاً فإنه يزداد مع الأيام , وتأتي الروافد من هنا وهناك باجتهادات خاطئة
أو تصورات باطلة فيتسع الخرق ويقوى الباطل , وقد وقع المتصوفة منذ نهاية القرن
الثالث الهجري بمشكله المصطلحات الغامضة المبهمة التي يستطيع كل متصوف تفسيرها حسب
ما يشاء فالمبتدئ يفسرها تفسيراً بريئاً والمتعمق منهم يفسرها حسب غلوه وضاله ,
وهذه المشكلة ( المصطلحات ) وعدم وضوحها هي من أسباب ضلال الأمم قبلنا , فالكلمات
التي تحتمل الصواب والخطأ هي من بعض أسباب وقوع النصارى في القول بألوهية المسيح
عليه السلام, فعندما يقول سبحانه عن عيسى ( وروح منه ) فهذا لا يعني أنه جزء منه بل
هذه إضافة تشريف , كما يقول تعالى ( ناقة الله ) أو كما يوصف أحد الصحابة بأنه (
أسد الله ) أو ( سيف الله ) أو قوله تعالى ( سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض
جميعاً منه ) ولذلك حذر القرآن الكريم في إتباع المتشابه وأنه يجب رد المتشابه إلى
المحكم , والمحكم : ( قل هو الله أحد , الله الصمد , لم يلد ولم يولد ..) قال
الإمام أحمد : بكلمة ( كن) كان عيسى عليه السلام وليس هو الكلمة نفسها , وقال تعالى
في حق بني إسرائيل ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) .

تكلم المتصوفة في
مصطلحاتهم عن الفناء والبقاء والصحو والمحو , والتجريد والتفريد و وهي ألفاظ تحتمل
الحق والباطل , بل هي أقرب إلى الباطل , وقد اعترف مؤلفوهم باستحداث مصطلحات خاصة
بهم .

قال أبو بكر الكلاباذي " إن للقوم عبارات تفردوا بها , واصطلاحات
فيما بينهم لا يكاد يستعملها غيرهم " ومن أوائل من تكلم بهذه المصطلحات أبو حمزة
الصوفي البغدادي ( ت 296) والبسطاني وأبو سعيد الخراز ( ت277 ) .

وهذه
أمثلة لبعض مصطلحاتهم وتعريفهم لها ثم نتكلم عن الآثار المترتبة عليها :


*الفناء :
‌أ-هذه كلمة مبهمة مجملة قد تعني
وجهاً باطلاً بل كفراً وهو ما يسمونه ( الفناء عن وجود السوّي ) أي ليس موجوداً إلا
الله سبحانه وكل ما عداه ليس له وجود حقيقي , وهذه هي وحدة الوجود التي سنتكلم
عليها في المبحث القادم إن شاء الله .
‌ب-وقد تعني هذه
الكلمة ( الفناء ) أن يغيب عن الناس والخلق ولا يشهد سوى الله ويقع في ( الغيبوبة )
ويغيب حتى عن العبادة , وقد يتوهم أنه صار هو والإله شيئاً واحداً " ويظن أنه تضمحل
ذاته في ذاته وصفاته في صفاته " وقد يسمونه : الجمع أو السُكر وهذا إذا عاد إليه
عقله يعلم أنه كان غالطاً في ذلك وأن الرب رب والعبد عبد .
‌ج-وقد تعني هذه الكلمة ما يسمونه ( الفناء عن إرادة السوى ) أي
لا يحب إلا الله ولا يوالي إلا فيه ولا بيغض إلا فيه , فهذا صحيح وإن كان لا يسلم
لهم بالتعبير بـ ( الفناء ) لأن فيه كما قلنا غموض واشتباه , وأما الفناء الذي
يسمونه فناء النفس عن التشاغل بما سوى الله فلا يسلم لهم أيضاً " بل أمرنا الله
بالتشاغل بالمخلوقات ورؤيتها والإقبال عليها " .

* الجمع والفرق :
قالوا
عن الجمع أنه إشارة إلى حق بلا خلق , والفرق إشارة إلى خلق بلا حق . ويقصدون أن
الفرق هو ما يكون كسباً للعبد من إقامة العبودية لله , والجمع هو مشاهدة الربوبية ,
والجمع قريب من الفناء بالمعنى الأول الذي هو وحدة الوجود .

* السكر والصحو
:
قالوا عن السكر : حال تبدو للعبد لا يمكنه معها ملاحظة السبب ولا مراعاة
الأدب , والصحو هو رجوع العارف إلى الإحساس بعد غيبته وزوال إحساسه .

*
العشق :
واستحدثوا هذه الكلمة وهذا لا يوصف به الرب تبارك وتعالى ولا العبد في
محبته ربه .

هذه نماذج من مصطلحاتهم وهي كثيرة جداً و كلها رموز وألغاز
فتكلموا عن الحال والمقام والعطش والدهش , وجمع الجمع ... الخ , وإذا أخذنا واحدة
من هذه المصطلحات لنرى هل هي صحيحة من ناحية شرعية ؟ هل الفناء عن المخلوقات وعدم
التشاغل بها من الإسلام ؟ والجواب بالنفي لأن الله يقول : " قل انظروا ماذا في
السماوات والأرض " وقال عليه السلام " حبب إلي من دنياكم النساء والطيب " وكان يجب
عائشة وأباها ويحب أولاد ابنته الحسن والحسين , ويجب العسل , ويحب وطنه , ويحب
الأنصار ... " . وأما محاولتهم للفناء في الله فهذا مستحيل , لن الله سبحانه هو
الخالق وهم مخلوقون , فكيف يتحد المخلوق بالخالق ؟ وقد يحاولون التمويه فيقولون (
بالصحو بعد المحو ) ( أو الفرق في الجمع ) أي أن يرجع الإنسان إلى حال العبودية وقد
يتكلمون هذا باللسان فقط أي أنه رجع إلى العبودية .

والحقيقة أن كل هذا
أوهام , والإسلام يحث على حفظ العقل , فكيف يسعى مسلم لزوال عقله , والصوفي عندما
يتحدث عن أسرار الربوبية يحاول شيئاً لا يطيقه الإنسان , لذلك سيصل إلى كارثة (
وحدة الوجود ) التي هي كفر , ويفقد فيها الاتزان النفسي , وهي نزعة خفية عند
الإنسان الذي لا يخضع للوحي وهي نزعة التكبر والتأله , ويحاول أن يأت بها عن طريق (
وحدة الوجود ) وهي نزعة فرعونية عندما قال " أنا ربكم الأعلى " .

إن فكرة (
الفناء ) موجودة في الديانة البوذية وتسمى عندهم ( نرفانا) وربما أخذها الصوفية
عنهم .

النتائج المترتبة على مثل هذا الخلط :

1)إن الدخول في هذه
المتاهات يبعد المسلم عن العلم النافع والعبادة والعمل فيتكلم في أشياء ليس لها
وجود ولا تعني في عالم الواقع شيئاً , والمسلم مأمور بإعمار الدنيا لتكون جسراً إلى
الآخرة وهذه المصطلحات تسيطر على الجاهل وتربك العاقل إذا لم يكن دينه قوياً
.

2)ليس في الإسلام أسرار , فالقرآن واضح , والسنة واضحة , وهذه الألغاز
تجعل الدين وكأنه بحاجة إلى (هيئة) لحل هذه الأسرار , ويتحول الأمر إلى باطنية تفسر
كل شيء حسب أهوائها فكل شيء نسبي , وذاتي " ولذلك يمنعون من قراءة كتبهم لكل أحد "
.

3)إن الاسترسال في هذه المصطلحات سيؤدي حتماً إلى عقيدة ( وحدة الوجود )
وهذا انسلاخ من الدين , فالمسلمون يرجعون إلى الكتاب والسنة , والصوفية يرجعون إلى
الذوق والكشف والخيالات وكلام مشايخهم, وهذا أمر مشكل لأن لكل إنسان ذوق فالنصراني
يتذوق التثليث , والمشرك يتذوق الشرك ... الخ .

كما تتميز هذه المرحلة عند
الصوفية بما يسمونه ( المقامات ) كالتوكل والرضا .. وانحرفوا فيه أيضاً عن الفهم
الإسلامي الصحيح , فالتوكل عندهم هو عد الأخذ بالأسباب , قال الهروي : " التوكل في
طريق الخاصة عمىً عن التوحيد ورجوع إلى الأسباب " ويقول أبو سعيد الخراز " كنت في
البادية فنالني جوع شديد فطالبتني نفسي إن أسأل الله طعاماً , فقلت : ليس هذا من
فعل المتوكلين " .

فهذا الشيخ خالف السنة في الخروج إلى البادية دون زاد ,
وفهم التوكل فهماً خاطئاً , والله سبحانه وتعالى خلق الأسباب وطلب من العباد الأخذ
بها والمسلم لا يعتمد على الأسباب وحدها ولكن يفعلها ويتوكل على الله ويطلب النتائج
من الله .

وقالوا عن مقام ( الرضا ) أنه الاسترسال مع القدر , فيكون
مستسلماً لما يأتي من عند الله , وهذا الكلام تنقصه الدقة , فالمسلم لا يعترض على
قدر الله كالمرض والفقر ولكن يدفع قدر الله بقدر الله , فهو يدفع المرض بالدواء
ويدفع الفقر بالعمل والكسب . أما إذا كان هناك أمر ديني مثل الصلاة والصوم فلا يقول
: أنا لا أصلي لأن الله لم يقدر لي الصلاة فهذا من الحيل الشيطانية , ويشبه كلام
المشركين فلأوامر الشرعية يجب أن تنفذ والمصائب تدفع بقدر الله ويصبر عليها .


والخلاصة أن هذه الألفاظ المستحدثة عند الصوفية هي كما وصفها ابن القيم "
تسمع جعجعة ولا ترى طحناً " .


* * *
المبحث الرابع

الصوفية الوجودية
تعتبر هذه المرحلة من أخطر مراحل الصوفية , حيث
تسربت إليها الفلسفة اليونانية فابتعدت بها عما سبقها من مراحل التصوف بل جعلتها من
الصوفية الخارجة عن الإسلام فكانت شبيهة بالنصرانية عندما دخلها الروم ومزجوها
بالتثليث والفلسفة ولذلك فيل إن النصرانية ترومت ولم يتنصر الروم , بل نستطيع أن
نجزم من خلال استقراء ما طرأ على الرسالات السماوية التي بدلت وحرفت كاليهودية
والنصرانية أن للفلسفة دوراً كبيراً في هذا التبديل ؛ فبسبب نقد الفلاسفة للنصوص
التوراتية واتهامها بأنها ساذجة أو أساطير , تحت هذا الضغط راح علماء اليهود يؤولن
النصوص تأويلات رمزية كما فعل (فيلون) اليهودي , فأولوا إبراهيم عليه السلام بأنه
النور , وزوجته سارة بأنها الفضيلة وهكذا فعلوا بقصة آدم وحواء وقصة بني آدم وقصة
يوسف عليه السلام . ومن ( فيلون انتقلت طريقة التأويل الرمزي إلى النصرانية خصوصاً
عندما هاجمها رجال الأفلاطونية المحدثة وممثلو الثقافة اليونانية , وأقر رجال
اللاهوت النصراني على أنه ورد في الأناجيل أشياء غير معقول فأولوها تأويلاً يرضى
عنه الفلاسفة .

وفي الإسلام جاء الفلاسفة بعد ترجمة الكتب اليونانية ككتاب
" التاسوعات" لأفلاطين الإسكندري , نقله إلى العربية عبد المسيح بن ناعمة الحمصي
بعنوان " الأثولوجيا" أي الربوبية , كما ترجم كتاب " أثولكوجيا " للأرسطوطاليس وفيه
نظرية الفيض والإشراق التي ستلعب دوراً خطيراً في التصوف خصوصاً عند السهروردي وابن
عربي . وتحت ضغط الفلسفة قام المعتزلة بحذف أو تأويل كل نص يناقض العقل – بزعمهم –
كما غرقوا في الجدل العميق الذي يدور حول ألفاظ ( الجوهر – والجزء الذي لا يتجزأ –
والجسم – والمتحيز و .... الخ ) , ومثلوا دور الترف الفكري أحسن تمثيل , فانحرفوا
بذلك عن الإسلام العملي الإيجابي .
وأما الصوفية فقد دخلت عليهم الفلسفة من باب
( التشبه بالإله على قدر الطاقة ) فحاولوا إثبات تشبه العبد بالرب في الذات والصفات
والأفعال , كما فعل الغزالي ومن تبعه في كتابه : ( المضنون به على غير أهله ) , ثم
جاء ابن عربي وتلامذته فقالوا بالوحدة المطلقة , لأن الفلاسفة يقولون: الوجود
الحقيقي هو للعلة الأولي ( الله ) لاستغنائه بذاته , فكل ما هو مفتقر إليه فوجوده
كالخيال . ومن هنا نشأت نظرية " وحدة الوجود " عند ابن عربي وقد انطلقت ابتداء مما
يردده الصوفية بشكل عام من أن الموجود الحق هو الله سبحانه , ويعنون بذلك أن
الموجودات والكائنات إنما هي صور زائفة ومجرد أوهام وليست ذاتاً منفصلة قائمة
بنفسها , فمثلها لا يستحق أن يطلق عليه الوجود الحقيقي , ولكنها حرفت عند ابن عربي
عن مفهومها لدى الصوفية بحيث انتهى إلى القول بوحدة الوجود فقال أن الوجود الحقيقي
هو الله سبحانه , ولكننا نرى هذه الكثرة والتعدد قائمة أمام أعيننا فلا يمكن
إنكارها ومن ثم فهذه الموجودات كلها ليست سوى الله ذاته – تعالى الله عما يقول
الظالمون علواً كبيراً – وكلها مظهر من مظاهره وتجل من تجلياته , وليست آية من
آياته كما مفهوم أهل السنة فحقيقة الرب إذن أنه وجود مطلق لا اسم له ولا صفة ولا
يرى في الآخرة , وليس له كلام ولا علم ولا غير ذلك ولكن يُرى في الكائنات فكل كائن
هو الله والله هو كل كائن , فاتحد بذلك الوجود مع الخالق المعبود , وتم له ما أراد
من هدم صرح التوحيد وكان هذا القول أشد شركاً من قول النصارى , إذ أن الكل في هذا
التصور المريض إله يعبد .

ويحاول ابن خلدون شرح فكرة ابن عربي , إذ أن هذه
التصورات الباطلة عادة ما تكون غامضة ومتناقضة حتى على أصحابها , يقول ابن خلدون :
يعنون بهذه الوحدة أن الوجود له قوى ذاتية فالقوة الحيوانية فيها قوة المعدن وزيادة
, والقوة الإنسانية فيها قوة الحيوان وزيادة , والفلك يتضمن الإنسانية وزيادة ,
وكذلك الذوات الروحانية (الملائكة ) ثم القوة الجامعة التي انبثت في جميع الموجودات
, فالكل واحد هو نفس الذات الإلهية " .

وحين يرد السؤال : كيف يقال بوحدة
الوجود ؟ وهناك خالق ومخلوق ومؤمنون وكفار والكفار يعذبون في النار فمن الذي يعذبهم
؟ ... حتى لا يرد هذا السؤال راح ابن عربي يحرف كل آيات القرآن الكريم ويطبق
باطنيته وكفره في كتاب ( فصوص الحكم ) فموسى عليه السلام لم يعاقب هارون عليه
السلام إلا لأن هارون أنكر على بني إسرائيل عبادة العجل , وهم ما عبدوا إلا الله
لأن الله قضى ألا نعبد إلا إياه , ولذلك كان موسى أعلم من هارون . والريح التي دمرت
عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة وفي هذه الريح عذاب وهو من
العذوبة . ويحكم ابن عربي بإيمان فرعون بقوله تعالى : " قرة عين لي ولك " فكان قرة
عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق . وهكذا راح يعيث فساداً في بقية
قصص الأنبياء ومن شاء فليرجع إلى كتبه ففي كل سطر سيجد رائحة ( وحدة الوجود) .
وكلامه هذا في الحقيقة هو إبطال للدين من أصله لأن وعيد الله للكفار لا يقع منه شيء
فهو وتلامذته يتسترون بإظهار شعائر الإسلام وإقامة الصلاة والتزي بزي النسك والتقشف
وتزويق الزندقة باسم التصوف .

فالفلاسفة لم يقولوا بوحدة الوجود على طريقة
ابن عربي ولكنهم هم الذين مهدوا الطريق لهذه النظرية الباطنية بقولهم على الله مالا
يعلمون ووصفهم إياه بصفات من نسج خيالهم , وهذا كله بسبب بعدهم عن الشرائع السماوية
والأخذ من نور الأ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لوجين
عضو فضى
عضو فضى
لوجين


ذكر عدد الرسائل : 1099
العمر : 34
السٌّمعَة : 5
نقاط : 53276
تاريخ التسجيل : 27/02/2010

الصوفيه ... ونشأتها وتطورها Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصوفيه ... ونشأتها وتطورها   الصوفيه ... ونشأتها وتطورها I_icon_minitimeالأربعاء مارس 03, 2010 1:01 am

المبحث الأول
الشرعيَّة والحقيقة
مصطلح يردده
المتصوفة كثيراً , ويقرنون بينه وبين مصطلح آخر لهم هو الظاهر والباطن , وسنحاول من
خلال هذا المبحث التعرف على معاني هذه المصطلحات وعلاقتها بعضها ببعض .


فالشريعة – كما يرونها – هي مجموعة الأحكام العملية التكليفية أي ما يسمى (
بالفقه الإسلامي ) , والحقيقة هي ما وراء هذه الأحكام من إشارات وأسرار , فالفقهاء
يعلمّون الناس أركان الصلاة وسننها والصوفية يهتمون بأعمال القلوب من المحبة
والخشية .. هذا رأي المعتدلين منهم أما غلاتهم فقالوا : إن هذه الأحكام لعوام
المسلمين نظراً لضيق عقولهم وقلوبهم عن استيعاب المعاني العلوية دون الالتزام برسوم
وأشكال معينة فالصلاة خمس مرات بشكل وترتيب معين ... هو أشبه ما يكون بالمعلم الذي
يلزم الطالب بواجبات مدرسية لما يعلم عنه من عدم الاستفادة من العلم إن لم يعمل
بتلك الواجبات , والمقصود هو العلم فإن كان من الخواص الذين يدركون المقصود الأساسي
من الشرائع – وهو ما أطلقوا عليه الحقيقة – فقد حصل المقصود وإن لم يلتزم بها ,
فالصلاة هي دوام الصلة مع الله فإن استدامت فالحاجة للصلاة تصبح مجرد الوقوف مع
الأوامر الشرعية احتراماً لها وإن كانت غير ذي فائدة , بل إنها انحرفت بعد ذلك عند
البعض إلى القول بإسقاط التكاليف لمن أدرك الحقيقة .

إن بداية الانحراف
كانت في هذا الفصل بين الشريعة والحقيقة , وعند أهل السنة الشريعة هي الحقيقة
فالصلاة حركات معينة ولكنها تستلزم الخشية والإنابة , وهكذا كل الأحكام الشرعية
القيام بها يعني الإتيان بها على تمامها كما أرادها الله سبحانه وتعالى
.

وقد جرهم ذلك إلى مصطلح آخر وهو الظاهر والباطن . فقد ادعى الصوفية أن
للقرآن ظاهراً وباطناً , فالظاهر هو ما يؤخذ من ألفاظه حسب الفهم العربي أو السياق
أو غير ذلك من الأصول المرعية في التفسير وهو ما يهتم به علماء الظاهر أو ما
يطلقونه عليهم ( علماء الرسوم ) زراية بهم, أما الباطن فهو العلم الخفي وراء تلك
الألفاظ وهو المراد الحقيقي بها وهذا لا يطلع عليه الخواص من أصحاب المقامات
السامية ويطلقون عليه ( الإشارات ) , وهم يغمزون أهل الفقه بأنهم لا يهتمون بأعمال
القلوب .

... ويسأل أحدهم عن قيمة الزكاة فيجيب : أما على العوام فربع
العشر وأما نحن فيجب علينا بذل الجميع ؟!! " وإذا وقع خلاف في مسألة بين علماء
الشرع وبقيت غامضة , فالقول فيها ما يقوله علماء الباطن أهل التصوف " . وفي تفسير
قوله تعالى : " ولكن لا تفقهون تسبيحهم " . قال الغزالي : " وهذا الفن مما يتفاوت
أرباب الظواهر وأرباب البصائر في عمله " .

والحقيقة أن هذه التفرقة غير
صحيحة بل هي باطلة وقبيحة , وأي تجزئة للإسلام فهي من قبيل اتخاذ القرآن عضين ,
والإسلام كل متكامل كالجسم الواحد , فليس هناك ظاهر وباطن ولكن هناك فهم صحيح كما
عقله الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , نعم هناك أعمال للجوارح وأعمال
للقلوب والإيمان يزيد حتى يصبح كالجبال وينقص حتى يكون كالنبتة الصغيرة الضعيفة ,
ولكن كل هذا اسمه شريعة أو إسلام أو دين وكل تقسيم يشعر بأن هناك تضاداً أو تغايراً
كمن يفرق بين العقل والنقل وكأن النقل مضاد للعقل , أو بين العلم والدين وكأن العلم
يخالف الدين , كل هذا لا يكون إلا من ضعف وانحسار أمام أعداء هذا الدين , هذا إن
أحسناً الظن بهم .

انتقد ابن الجوزي هذا التقسيم فقال : " هذا قبيح لأن
الشريعة ما وضعه الحق لصالح الخلق , فما الحقيقة بعدها سوى ما وقع في النفوس من
إلقاء الشياطين , وبغضهم الفقهاء أكبر الزندقة " .

كما أن هذه التفرقة بين
الظاهر والباطن أدت بهم في موضع التفسير إلى تأويل الآيات وتحريفها تخريفاً شنيعاً
, وهذا التأويل المذموم حاولت كل الفرق الضالة الباطنية أن تجد له نصيراً من كتاب
الله يتناسب وأهواءها . ولذلك ضبط علم التفسير عند أهل السنة بـ ( أصول التفسير )
حتى لا يتحول الأمر إلى فوضى لا نهاية لها , ففي تفسير آية " فلما جن عليه الليل
رأى كوكباً قال هذا ربي " قال صاحب منازل السائرين : " رأى هذه حالة العطش كأن
إبراهيم عليه السلام لشدة عطشه إلى لقاء محبوبه لما رأى الكواكب قال : هذا ربي, فإن
العطشان إذا رأى السراب ذكر به الماء" .

ويعقب ابن القيم : " هذا ليس معنى
الآية مطلقاً وإنما القوم مولعون بالإشارات " , وآية " فاخلع نعليك " فسرها الشيخ
عبد المغني النابلسي – وهو من المتأخرين – " أي صورتك الظاهرة والباطنة يعني جسمك
وروحك فلا تنظر إليها لأنها نعلاك " , وفسر بعضهم هذه الآية: يعني اخلع دنياك
وآخرتك إلى آخر هذا الهراء ويبدو أن البعض منهم كان يشعر بخطأ هذه التفرقة , فيحذر
وينصح , قال سهل ابن عبدالله: " احفظوا السواد على البياض ( يعني العلم ) فما أحد
ترك الظاهر إلا تزندق " . ولكن القوم استمروا في إشاراتهم البعيدة عن العلم فقالوا
عن آية " وإن يأتوكم أسارى " أي غرقى في الذنوب , " والجار ذي القربى " أي القلب "
والجار الجنب " أي النفس حتى أنه يروى عن سهل بن عبد الله نفسه أنه فسر " ولا تقربا
هذه الشجرة " بقوله : ( لم يرد معنى الأكل في الحقيقة وإنما أراد أن لا تهتم بشيء
غيري ) قال الشاطبي : وهذا الذي ادعاه في الآية خلاف ما ذكره الناس .

وقد
جمع لهم أبو عبد الرحمن السلمي تفسيراً للقرآن الكريم من كلامهم الذي أكثره هذيان
نحو مجلدين , وليته لم يصنفه فإنه تحريف وشيخهم السراج يهاجم الفقهاء لأن علمهم
أقرب إلى حظوظ النفس , وأن علومهم قد يحتاج إليها في العمر مرة وعلوم الصوفية يحتاج
إليها دائماً بينما نجد أن الصحابة لم يتعمقوا في كلامهم ولم يخوضوا في الأمور
المتكلفة ولا بد في فهم الشريعة من إتباع مفهوم العرب الذي نزل القرآن بلسانهم ,
وتفسير القرآن بالمعاني التي تخطر على قلوب المتصوفة غير صحيح ومثل هذا التفسير لم
ينقل عن السلف بل هو أشبه بمذهب الباطنية , وبسبب طموح النفوس إلى التكلف والأشياء
المستغربة نشأ التفرق والفرق .

ولقد صدق الشاعر محمد إقبال حين صوّر الشيخ
الصوفي بهذه الأبيات:

" متاع الشيخ ليس إلا أساطير قديمة

كـــــــــلامــــــه كــــلــــه ظــــــن وتــخـمـيـــن
حـتـى الآن
إســــــلامــــه زنـــاري
وحين صار الحرم ديراً أصبح هو من براهمته "







* *

المبحث الثاني

الحقيقة المحمَدية

شعبة من شعب الغلو الذي وقعت فيه الصوفية بل
من شعب الكفر , وهو مزيج من الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم والتأثر
بالفلسفة اليونانية في تقريرها لأول مخلوق , والتأثر بالنصرانية التي أضفت صفات
الربوبية على المسيح عليه السلام .

والمشكلة أن هذه التي يسمونها ( الحقيقة
المحمدية ) هي غموض كامل وعماء في عماء , ولأنها نشأت في الأصل من خيال مريض وأوهام
ليس لها أي رصيد في الواقع , ولذلك نلاحظ أن أقوالهم في تعريفها أو الكلام عنها
غامضة أيضاً , فالرسول صلى الله عليه وسلم أول موجود وأول مخلوق وهو القطب الذي
تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره , وهو الذي منه انشقت الأسرار ولا شيء إلا
وهو به منوط , وهو عين الإيمان والسبب في وجود كل إنسان . وكأن الصوفية لم يستسيغوا
أن يقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو كما وصفه القرآن الكريم بشراً رسولاً
وقد جعلوا أقطابهم تتصف بما وصف الله سبحانه وتعالى نفسه , فكيف برسول الله صلى
الله عليه وسلم فابتدعوا ما أسموه ( الحقيقة المحمدية ) وعلى أساس هذه النظرية ندرك
مغزى ما يقول البوصيري :

وكل آي أتى الرسل الكرامُ بها
فإنما اتصلت من نوره بهم

وقوله: وكيف تدعو إلى
الدنيا ضرورة من لولاه لم تخرج الدنيا من العدم

وقول ابن نباته المصري :


لولاه ما كان أرض ولا أفق ولا زمان ولا خلق ولا جبل
وقد كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يخشى على أمته من الغلو فقال صلى الله عليه وسلم محذراً :
" لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم , إنما أنا عبد الله ورسوله " . ولكن
الذي فعله هؤلاء هو أكبر من الغلو , إنه الشرك والضلال , و إلا كيف تفسر قول الشيخ
الدباغ " إن مجمع نوره لو وضع على العرش لذاب " وقول أبي العباس المرسي : " جميع
الأنبياء خلقوا من الرحمة ونبينا هو عين الرحمة " قال تعالى : " وما أرسلناك إلا
رحمة للعالمين " . فانظر إلى هذا الاستنتاج العجيب .

إنها المضاهات بعينها
, فإذا كان المسيح ابن الله عند النصارى فلماذا لا يخترع الصوفية ( الحقيقة
المحمدية ) , وهذا ناتج نظريتهم في وحدة الوجود .

ومن المؤسف أن المستشرق (
نيكلسون ) يتكلم في كتابه كلاماً صحيحاً عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بينما
غلاة الصوفية تاهوا في معمياتهم وسراديبهم , يقول : " إذا بحثنا في شخصية محمد صلى
الله عليه وسلم في ضوء ما ورد في القرآن , وجدنا الفرق شاسعاً بينهما وبين الصورة
التي صور بها الصوفية أوليائهم , ذلك أن الولي الصوفي أو الإمام المعصوم عند الشيعة
, قد وُصفا بجميع الصفات الإلهية , بينما وصف الرسول في القرآن الكريم بأنه بشر " .



* * *


المبحث الثالث
وحدة الأديان



خرافة كبيرة من خرافات الصوفية , وشطحة من شطحاتهم الكثيرة ,
وهي لا تخرج إلا من خيال مريض يظن أنه يتسامح إنسانياً , ولكنها في نفس الوقت فكرة
خطيرة لأنها تصادم سنن الله في الكون والحياة ومنها سنة الصراع بين الحق والباطل ,
بين الخير والشر , والجمع بين الكل على قد المساواة هو خبث مركز لهدم الإسلام أو
هذيان مقلد لا يدري ما يقول , و إلا فكيف نسوي بين من يعبد الله سبحانه وتعالى وحده
وبين من يعبد البقر , أو حرف كتب الله وعبد أنبيائه , كيف نجمع بين الإيمان والكفر
هذا لا يكون إلا ممن يؤمن بوحدة الوجود كابن عربي وتلامذته الذين يعتقدون أن كل
موجود على الأرض صحيح ولا داعي للتفرقة , والله أوسع من أن يحصره عقيدة معينة فالكل
مصيب " وأما عذاب أهل النار فهو مشتق من العذوبة " ؟!!.

ويترجم ابن عربي
هذه العقيدة شعراً فيقول :

لقد صار قلبي قابلاً كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طــــــائف وألواح توراة ومصحف
قرآن
أدين بدين الحب أنّى توجــهت ركائبه فالحب ديني وإيـــماني
وينسج
على منواله صديقة ابن الفارض فيقول :

وما عقد الزنار حكماً
سوى يدي وإن حل بالإقرار فهي حلت
وإن خرّ للأحجار في البد عاكف فلا وجه للإنكار
بالعصبيـــة وإذا كان بعض المعتدلين يحذرون من كتب ابن عربي , مع أنهم لا
يعتقدون بكفره ويبررون أقواله ويأولونها فإننا لم نسمع منهم أحداً يحذر من شعر جلال
الدين الرومي مع أن المعجبين به كثر وخاصة بين مسلمي الهند وتركيا , وهذه إحدى
قصائده يتشبه فيها بأستاذه ابن عربي :

انظر إلى العمامة
أحكمها فوق رأسي ...
بل انظر إلى زنار زاردشت حول خصري ...
فلا تنأ عني لا
تنأ عني ...
مسلم أنا ولكني نصراني وبرهمي وزرادشتي ...
توكلت عليك أيها
الحق الأعلى ...
ليس لي سوى معبد واحد ...
مسجداً أو كنيسة أو بيت أصنام
...
ووجهك الكريم فيه غاية نعمني ...
فلا تنأ عني , لا تنأ عني .

فصلوات اليهود , وعقد زنار النصارى , وبد الوثنية في الهند ومساجد الله
كلها عند هؤلاء ساح فساح يعبد فيها الله .

ونحن وإن كنا لا نتهم كل الصوفية
بهذه البدعة لأن القول بها ضلال وكفر وانحراف ولا يقول به إلا غلاتهم , إلا أن
أجواء الصوفية ربما تساعد على نشوء مثل هذه الأفكار أو قريباً منها , فالاستغراق في
توحيد الربوبية وأن الله رب كل شيء ومليكه , وفي القضاء والقدر الكوني الذي يسري
على المؤمن والكافر , دون الإلتفات إلى جانب المر والنهي الشرعيين والمخاطب بهما
المؤمنين والذي هو جانب توحيد الألوهية , والاستغراق في كلمات ذوقية مثل الحب
الإلهي والعشق الإلهي , كل هذا أدى إلى قول أبي يزيد البسطامي عندما اجتاز بمقبرة
اليهود : " معذورون" ومر بمقبرة المسلمين فقال " مغرورون " ثم يخاطب الله سبحانه
وتعالى : " ما هؤلاء حتى تعذبهم حطام جرت عليهم القضايا , اعف عنهم " وكأنه يريد أن
يثبت رحمته للجنس البشري كله , وكأنه أرحم من الله سبحانه بعباده , ومن هذا القبيل
ما روى الأمير شكيب أرسلان عن أحمد الشريف السنوسي أن عمه الأستاذ المهدي كان يقول
له : " لا تحتقرن أحداًً لا مسلماً ولا نصرانياً ولا يهودياً ولا كافراً لعله يكون
في نفسه عند الله أفضل منك إذ أنت لا تدري تكون خاتمتك " . وهذا الكلام غير صحيح من
الشيخ السنوسي لأننا عندما نحتقر الكافر نحتقره لكفره وعندما يسلم نحترمه لإسلامه
ونحن لنا الظاهر , ولكن أثر التصوف واضح فيه وإن كنت لا أعتقد أنه ممن يقول بوحدة
الأديان .

إن هذه العقيدة شبيهة بأفكار الماسونية التي تدعو إلى وحدة
الإنسانية وترك الاختلاف بسبب الأديان فليترك كل واحد دينه وعقيدته وإنما تجمعنا
الإنسانية , دعوة خبيثة ملمسها ناعم ولكنها تحمل السم الزعاف في أحشائها .



* *


المبحث الرابع
الأولياء والكرامات

من أكثر الأشياء التي يدندن حولها الصوفية قديماً وحديثاً موضوع
الأولياء والكرامات التي تحصل لهم , وقبل إن نتكلم عن مدى مطابقة ما يذهبون إليه
للكتاب والسنة , قبل هذا لا بد تعريف الولي وكيف تطورت هذه اللفظة لتصبح مصطلحاً
خاصاً علماً على فئة معينة ثم نتكلم عن الكرامات وما هو مقبول منها وما هو مردود .


جاء في كتاب ( قَطْر الولي على حديث الولي ) : الولي في اللغة : القريب
والولاية ضد العداوة , وأصل الولاية المحبة والتقريب , والمراد بأولياء الله خلص
المؤمنين , وقد فسر سبحانه هؤلاء الأولياء قوله : " الذين آمنوا وكانوا يتقون " أي
يؤمنون بما يجب الإيمان به ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من المعاصي , قال ابن تيمية
: الولي سمي ولياً من موالاته للطاعات أي متابعته لها , وهذا المعنى الذي يدور بين
الحب والقرب والنصرة هو الذي أراده القرآن الكريم من كلمة ولي مشتقاتها في كل موضع
أتى بها فيه , سواء في جانب أولياء الله أو في جانب أعداء الله. ومن ثم فليس لنا أن
نخرج هذا المصطلح عن المعنى الذي حدده القرآن بلسان عربي مبين . يقول ابن حجر
العسقلاني : " المراد بولي الله : العالم بالله تعالى , المواظب على طاعته . " ,
هكذا كان استعمالها وظلت النظرة إليها بهذا المعنى إلى أن دخلت أوساط الشيعة ثم في
دائرة الصوفية فأطلقوها على أئمتهم ومشايخهم مراعين فيه اعتبارات أخرى , غير هذه
الاعتبارات الإسلامية فأصبحت محصورة في طائفة خاصة بعد أن كانت صفة محتملة لي إنسان
يقوم بنصرة دين الله من عباده المسلمين , وأول من صرف هذا المعنى إلى معنى خاص هم
الشيعة فأطلقوها على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه على اعتبار أنه
هو وذريته ( بشراً نورانين من طينة مكنونة تحت العرش ) ثم أضاف لها الشيعة والصوفية
( العلم اللدني لأن الشيعة يعتقدون أن علي ابن أبي طالب أخذ علماً خاصاً عن الرسول
صلى الله عليه وسلم .

والقشيري من الصوفية يرى : " بأن من أجل الكرامات
التي تكون للأولياء العصمة من المعاصي والمخالفات " وهذه قلدوا فيها الشيعة الذين
يعتقدون العصمة لأئمتهم , وربما تلطف الصوفية فسموها ( الحفظ ) كما يقول الكلاباذي
" ولطائف الله في عصمة أنبيائه وحفظ أوليائه .... " وأكبر مقامات الولي عند الصوفية
هو ( الفناء ) وهو باب الولاية ومقامها أما عند ابن عربي فهي مراتب ومنها مرتبة
الولاية الخاصة وهو الورثة لأنهم أخذوا علمهم عن الله مباشرة !!؟ , وهم عن ابن عربي
أفضل من الأنبياء نظراً لما هم عليه من ذوق أدركوا به علم الوجود ووقفوا على سر
القدر .

هذا هو التحديد التعسفي لمفهوم الولاية عند الصوفية , أما شخصية
الولي في القرآن الكريم فهي شخصية إيجابية يترسم خطى الدين في كل ما أمر أو نهي ,
والصحابة ومن تبع أثرهم من العلماء العاملين هم أولي الناس بهذا اللفظ ويصدق عليهم
حديث : " من عادى لي ولياً .... " وطريق الوصول إلى الولاية عند الصوفية طريق معكوس
لأن الغاية من مجاهداتهم هي معرف الله أو الفناء و والمفروض أن معرفة الله سبحانه
هي خطوة أولى للإيمان وهذه المعرفة فطرية كما يحدثنا القرآن , والعمل الصالح هو
الذي يوصل إلى أن يحب الله عبدَه , وأما فناؤهم فهو يوصلهم إلى كفر الإتحاد والحلول
فطريق الولاية عند أهل السنة سهل ميسر ومن أول هذا الطريق تبدأ المحبة بين الله
سبحانه وعبده بينما طريق الصوفية طريق شكلي آلي , لا بد أن يمر المريد بكذا وكذا ثم
يصل إلى شطحات يظن فيها أنه شاهد الحق . وأفضل الأولياء عند أهل السنة الأنبياء
والرسل بينما عند الصوفية النبي يقصر عن الفلاسفة المتألهين في البحث والحكمة كما
يقول السهروردي المقتول على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله , فالولي عند أهل
السنة هو ذاك المسلم الإيجابي الذي يقوم بالطاعات , والولي عند الصوفية هو المستغرق
في الفناء .

بعد هذا البيان والإيضاح لكلمة الولي وكيف تطورت , والمعنى
السني لها , لا بد من توضيح المقصود بـ ( الكرامات ) وما هو رأي أهل السنة فيها وهل
التزم الصوفي بهذا الرأي ؟ وهل هناك ارتباط بين الولاية والكرامة فنقول :


خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون وسيره على سنن محكمة مطردة لا تتعارض ولا
تتخلف , وربط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها وأودع في الأشياء خواصها ,
فالنار للإحراق , والماء للإرواء والطعام للجائع , ثم هذا النظام الكوني البديع
المتناسق الشمس والقمر والنجوم , وتعاقب الليل والنهار .. كل بنظام محكم , فإذا لم
ترتبط الأسباب بنتائجها وخرقت هذه العادة المألوفة بإذن الله لمصلحة دينية أو دعاء
رجل صالح , فهذا الخرق إذا كان لنبي فهو معجزة , وإذا كان لأناس صالحين فهو كرامة
وهذه الكرامة إن حصلت لولي حقاً فهي الحقيقة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه
وسلم وتحصل ببركة إتباعه .

وهذه الخوارق إما أن تكون من جهة العلم بأن يسمع
النبي ما لا يسمع غيره أو يرى ما لا يراه غيره يقظة ومناماً أو يعلم مالا يعلم غيره
حياً وإلهاماً و أو فراسة صادقة لعبد صالح , وإما أن تكون من باب القدرة والتأثير
مثل دعوة مستجابة أو تكثير الطعام وعدم إحراق النار , وقد حصل للصحابة رضوان الله
عليهم كرامات من هذا النوع وكانت إما لحاجة أو حجة في الدين , كما أكرم الله سبحانه
أم أيمن عندما هاجرت وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش وكانت صائمة , فلما
كان وقت الفطر سمعت حساً على رأسها فإذا دلو معلق فشربت منه , وكان البراء بن مالك
إذا أقسم على الله أبّر قسمه , وكان سعد بن أبي وقاص مستجاب الدعوة , مشى أمير
الجيوش الإسلامية في البحرين العلاء بن الحضرمي وجنوده فوق الماء لما أعترضهم البحر
ولم يكن معهم سفن تحملهم وأُلقي أبو مسلم الخولاني في النار فلم تحرقه .


هذه حوادث صحيحة وقعت للصحابة رضوان الله عليهم , وأكثر منها وقع في عصر ما
بعد التابعين . فأهل السنة لا ينكرون الكرامات كما ينكرها المبتدعة , وهو يعلمون أن
الله الذي وضع الأسباب ومسبباتها قادر على خرق هذه السنن لعبد من عباده , ولكن
الصوفية جعلوا مجرد وقوعها دليلاً على فضل صاحبها حتى ولو وقعت من فاجر قالوا هذه
كرامة لشيخ الطريقة ولذلك لا بد من ملاحظات وتحفظات حول هذا الموضوع .


أولاً: هذه الخوارق كانت تقع للصحابة دون تكلف منهم أو تطلب لها أو رياضات
روحية يستجلبون بها هذه الخوارق , بل تقع إكراماً من الله لهم أو دعاء يرون فيه
مصلحة دينية إما لحجة أو لحاجة للمسلمين كما كانت معجزات نبيهم صلى الله عليه وسلم
, أما المتأخرون فيطلبونها ويتكلفون لها الرياضات الروحية وربما أفسد جسمه ونفسيته
بسبب هذا مع أن " طلب الكرامات ليس عليه دليل , بل الدليل خلاف ذلك فإنما غيب عن
الإنسان ولا هو من التكاليف لا يطالب به " وهذا من التأثير بالفلاسفة حيث يقررون
رياضات معينة للوصول إلى هذه الخوارق .


ثانياً : إن كرامات أولياء الله
لا بد أن يكن سببها الإيمان والتقوى والولي لله هو المحافظ على الفرائض والسنن
والنوافل , عالماً بأمر الله عاملاً بما يعلم فمن صفت عقيدته وصح عمله كان ولياً
لله يستحق إكرام الله له إن شاء , فهذا إذا خرقت له العادة لا تضر ولا يغتر بذلك
ولا تصيبه رعونه , وقد لا تحصل لمن هو أفضل منه فليست هي بحد ذاتها دليلاً على
الأفضلية , فالصديق رضي الله عنه لم يحتج إليها , وحصلت لغيره من الصحابة , كما أنه
ليس كل من خرقت له العادة يكون ولياً لله كما أنه ليس كل من حصل له نِعَمٌ دنيوية
تعد كرامة له , بل قد تخرق العادة لمن يكون تاركاً للفرائض مباشراً للفواحش فهذه لا
تعدوا أن تكون إما مساعدة من شياطين الجن ليضلوا الناس عن سبيل الله , أو استدراج
من الله ومكر به أو رياضة مثل الرياضات التي يمارسها الهنود والبوذيون الكفرة ثم
يضربون أنفسهم بآلات حادة ولا تؤثر فيهم أو يتركون الطعام أياماً عديدة إلى غير ذلك
ويظن الفسقة أن هذه كرامة لهم .

ثالثاً : هناك سؤال مهم في هذا الصدد وهو
لماذا كانت هذه الحوادث من خرق العادات قليلة في زمن الصحابة والتابعين ثم كثرت
بعدئذ ؟

يجيب ابن تيمية : " أنها بحسب حاجة الرجل فإذا احتاج إليها ضعيف
الإيمان أو المحتاج أتاه فيها ما يقوي إيمانه ويكون من هو أكمل ولاية منه مستغنياً
عن ذلك لعلو درجته , كما أن عدم وجودها لا يضر المسلم ولا ينقص ذلك في مرتبته
والصحابة مع علو مرتبتهم جاءتهم هذه الخوارق إكراماً لهم أو لحاجة في الدين ,
وكثرتها في المتأخرين دليل على ما قاله ابن تيمية أو لتطلبهم إياها بالرياضة
الروحية .

رابعاً : إن معجزة هذا الدين الكبرى هو القرآن الكريم الذي أنزله
الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم , وعندما طلب منه صلى الله عليه وسلم معجزات
مادية رفض ذلك لأن هذا ليس هو منهج هذا الدين وقد ذكر القرآن الكريم هذا الطلب ,
قال تعالى : " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً , أو تكون لك جنة
من نخيل فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً , أو
تأتي بالله والملائكة قبيلاً أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن
لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه , قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً "
.

كما أمر صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من دعوى الغنى والقدرة وعلم الغيب إلا
ما علمه الله سبحانه وتعالى : " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله , ولا أعلم الغيب ,
و لا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي " , ولذلك كانت حياته وسيرته تجري
كبقية عادات البشر ومألوفاتهم مع ما أعطي من شرف المنزلة , وعندما هاجر صلى الله
عليه وسلم إلى المدينة لم يطر في الهواء ولم تطو له الأرض وإنما سار كما يسير أي
راكب ويقطع المسافة في تسعة أيام , لماذا ؟ لأن هذا هو الأصل , الأصل أن يسير الناس
على السنن الكونية التي أودعها الله في الخلق , ولكن كثرة الناس يؤذيها أن يكون
الكون سائراً على قانون محكم ويسعدها أن يكون هذا القانون بيد المجاذيب والدراويش
يتصرفون به .

وتبقى الحقيقة أن الاستقامة على طريق الهدى , طريق السنة
والإتباع , طريق الصحابة ومن تبعهم بإحسان , هذه الاستقامة هي عين الكرامة , فإن
حصل بعدئذ خرق العادة إكراماً من الله سبحانه وتعالى لمؤمن صادق فهذه يجب أن يخفيها
ولا يذيعها ويشكر الله سبحانه على ما منّ به عليه .


المبحث الخامس
الأقطاب و الأوتاد

بعد أن حرف كلمة ولي
عن معناها الذي أراده القرآن الكريم اخترعوا ما يسمونه بالأقطاب والأوتاد والأبدال
. تسميات ما أنزل الله بها من سلطان , يرتبون بها أوليائهم ترتيباً فيه مضاهاة
للنصارى الذين يرتبون رجال الدين عندهم بدأ بالشماس وانتهاء بالبابا كما أنه فيه
تشبه بالشيعة في ترتيب الأئمة وكذلك ترتيب النصيرية والإسماعيلية في أئمتهم كالسابق
والتالي والناطق والأساس , وقد رتبوا أوليائهم حسب أهميتهم على الشكل التالي :


1- القطب .
2- الأوتاد الأربعة .
3- الأبدال
وعددهم أربعون وهم بالشام ... ؟ !
4- النجباء وهم الذين يحملون عن الخلق أثقالهم
.
5- النقباء .
وما هي حقيقة القطب عندهم؟ يجيب مؤسس الطريقة
التيجانية : " إن حقيقة القطبانية هي الخلافة عن الحق مطلقاً , فلا يصل إلى الخلق
شيء من الحق ( الله ) إلا بحكم القطب " , ثم قسموا القطب إلى نوعين : نوع هو من
البشر مخلوق موجود على هذه الأرض , يتخلف بدلاً عنه حال موته أقرب الأبدال له (
التشبه بالنصارى ) وقطب لا يقوم مقامه أحد وهو الروح المصطفوي وهو يسري في الكون
سريان الروح في الجسد . أما الرفاعي فقد تعدى هذه الأطوار فيقول أحد تلامذته : "
نزه شيخك عن القطبية " وعند أبي العباس المرسى مقام القطبية فوقه مقام الصديقية
وعند الشاذلي " يكشف له عن حقيقة الذات " .

وأما الأوتاد فهم أربع رجال
منازلهم على منازل الأركان الأربعة من العالم شرق وغرب وشمال وجنوب
.

والأبدال سبعة رجال من سافر من موضع ترك جسداً على صورته حياً بحياته .


إن المسلم ليمتلكه العجب عندما يقرا أو يسمع ما يقوله هؤلاء من أمثال
الجرجاني وغيره الذين يدعون العلم والمعرفة , إن هذه أمور خطيرة تمس جوهر العقيدة
الإسلامية , إن الاعتقاد بأن أحداً غير الله سبحانه يتصرف في هذه الكون هو شرك أكبر
مع أن الله سبحانه وصف أكابر أوليائه بالصديقين كأبي بكر وسيدة مريم والدة المسيح
عليه السلام فيأتي هؤلاء ليحادوا الله ورسوله ويقولوا : القطبية هي مرتبه فوق
الصديقية وأما مصادمة كلامهم للعقل من البديهيات الأولية و لأن الخرافة لا يمكن أن
يصدق بها عقل . أوتاد وأقطاب يتحكمون في العالم وهؤلاء سبعة وأولئك أربعة من أين
جاءوا بهذا التحديد وهذا العدد ؟ ومن أين جاءوا بهذا القطب الذي جعلوه نائباً لله ؟
كأن الله سبحانه ملك من الملوك يحتاج إلى نواب سبحانك هذا بهتان عظيم وإفك مبين ,
وهذا الكلام وكلامهم عن الحقيقة المحمدية ووحدة الأديان لا نستطيع أن نصنفه بأنه
هلوسة وتخبطات مصروع لا غير , لأننا نكون عندئذ غافلين عن حقيقة هذه المذاهب ,
وإنما هي غنوصية لهدم الإسلام .



المبحث السادس

الشطح واللامعقول

يروى عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال : " لو
أن رجلاً تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق " , وسواء صحت هذه الرواية
عن الشافعي أم لم تصح فإن الاتجاه العام لدى الصوفية هو الابتعاد عن العقل
والعقلانية , وذلك لأنهم يرون أنه لا يمكن الوصول إلى الأحوال والمقامات العالية
إلا بإلغاء العقل , ولذلك يذكرون حوادث لمشايخهم ويقررون أموراً يأباها العقل بل
يكذبها , ومع أن العقل شرط في معرفة العلوم وهو بمنزلة البصر في العين فإذا اتصل به
نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل بنور الشمس وإن إبعاد العقل وعزله
تماماً هو رجوع إلى الأحوال الحيوانية ومن العلوم أن مناط التكليف في الإسلام هو
العقل ولكن الصوفية كل شيء عندهم ممكن , وكل شيء يصدق مهما كانت غرابته , لأنه لا
شيء يؤد على مشايخهم , وإذا رددت فأنت محجوب لا تفهم في مثل هذه الأمور , ولذلك
أصبحت قصصهم أضحوكة لأهل الأديان المنسوخة كما يقول الآلوسي .

ولأن الناس
عجزوا بعد سقوط بغداد عن ربط الأسباب بالمسببات فربما كان التصوف هو الوحيد الذي
نجا من تلك الكارثة فهرع الناس إلى المتصوفة يمنحونهم البركة فامتلأت البلاد بأرباب
الطرق .

وحتى لا يظن أننا نظلم ونتهم فهذه صور من اللا معقول عند الصوفية
منتزعة من كتاب ( الطبقات الكبرى ) للشعراني . هو يترجم لهؤلاء ولا يعلق بشيء
لاعتقاده بصحتها , بل ينقل قصص المجاذيب ويترضى عنهم, وقد يقال بأنها مكذوبة عليهم
ولكن الشعراني نقلها ولم ينكرها والذين يقرأون للشعراني من عصره وحتى هذا الوقت لا
يقولون : نحن ننكر مثل هذه الأمور ويجب أن تحذف من كتبنا , فالمشكلة في هؤلاء الذين
يبررونها ويصدقونها فعلاً وهذه النماذج مأخوذة من عصور مختلفة إلى عصر المؤلف في
القرن العاشر الهجري .

1-ذكر في ترجمة الشيخ أحمد الرفاعي أنه : " إذا تجلى
الحق تعالى عليه بالتعظيم يذوب حتى يكون بقعة ماء , ثم يتداركه اللطف فيصير يجمد
شيئاً فشيئاً حتى يعود إلى جسمه المعتاد ويقول : لولا لطف الله ربي ما رجعت إليكم "
.

2-الشيخ أبو عمرو بن مرزوق القرشي : " كان الرجل العربي إذا اشتهى أن
يتكلم بالأعجمية أو العجمي يريد أن يتكلم العربية يتفل الشيخ في فمه فيصير يعرف تلك
اللغة كأنها لغته الأصلية " .

مساكين الطلبة الذين يدرسون اللغات الأجنبية
في هذا العصر فلو أن الشيخ يعيش معهم لاستراحوا وأراحوا ...

3-قال تقي الدين
السبكي : " حضرت سماعاً فيه الشيخ رسلان فكان يثب في الهواء ويدور دورات ثم ينزل
إلى الأرض يسيراً يسيراً , فلما استقر سند ظهره إلى شجرة تين قد يبست فأورقت واخضرت
وأينعت وحملت التين في تلك السنة " والعجب هنا ليس من الشيخ رسلان ولكن من عالم مثل
السبكي كيف يقبل بأن يذكر الله بالرقص في الهواء وكيف يقبل مثل هذا الهراء , هذا
إذا صحت رواية الشعراني عن السبكي .

4-أبو العباس أحمد الملثم : يقول
الشعراني عنه : " وكان الناس مختلفين في عمره , فمنهم من يقول : هذا من قوم يونس ,
ومنهم من يقول : إنه رأى الإمام الشافعي , فسئل عن ذلك , فقال عمري الآن نحو
أربعمائة سنة وكان أهل مصر لا يمنعون حريمهم منه في الرؤية والخلوة .


5-الشيخ إبراهيم الجعبري : كان له مريدة تسمع وعظه وهو بمصر وهي بأرض
السودان من أقصى الصعيد .

6-حسين أبو علي : " من كمّل العارفين , كان كثير
التطورات , تدخل عليه فتجده جندياً , ثم تدخل عليه فتجده سبعاً , ثم تدخل فتجده
فيلاً ( يا ألطاف الله ) " . تخيل هذا الذي من كمّل العارفين يتحول إلى سبع وإلى
فيل .... ؟!

7-إبراهيم بن عصيفير : " كان يغلب عليه الحال وكان يمشي أمام
الجنازة ويقول زلابيه و هريسة وأحواله غريبة , وكان يحبني وأنا في بركته وتحت نظره
" . قد يكون هذا مجنون لا تكليف عليه , أما أن يقول الشعراني : سيدي إبراهيم , وكنت
في بركته وتحت نظره , فهذا مما لا ينقضي من العجب , وما رأي صوفية اليوم هل ينكرون
على الشعراني هذا الكلام ؟ لا أعتقد , بل يبدوا أن هؤلاء وأمثالهم هم أقرب إلى الظن
بأن الحقيقة إنما ينطق بها البلهاء قبل أن ينطق بها العلماء .

ومن أثر
الصوفية وكتب الشعراني وغيره أن أساتذة في جامعات مصر , أساتذة في الطب والفيزياء
والكيمياء و تكون عقولهم سليمة عند البحث العلمي وتمسخ عند الحديث عن الولي الفلاني
كيف طار في الهواء أو غاص في الماء , لا شك أنها ازدواجية تحتاج إلى تحليل نفسي
لمعرفة أسبابها ودوافعها , وقد رأينا طلاب جامعات في بلاد الشام كيف يتبعون دجالاً
مخرفاً , ظاهر الكذب والاحتيال , إن هؤلاء المشايخ يقومون بعملية غسل دماغ للمريد
بطريقة شيطانية خبيثة تجعل طلاب الجامعات بل وأساتذتهم يسيرون وراء الشيخ كالقطيع ,
وتبقى أجواء الصوفية غير العقلانية هي العامل الأهم .

إن قمة إلغاء العقل
عند الصوفية هو ما يسمونه ( بالشطح ) وهي أن يتكلم أحد مشاهيرهم بكلمات غير معقولة
أو تتضمن كفراً وزندقة في الظاهر ويقولون : إنه قالها في حالة جذب وسكر أما في حالة
الصحو فيتراجع عنها وقيل في تعريف ( الشطح ) :" كلمة عليها رائحة الرعونة والدعوى
تصدر عن أهل المعرفة باضطرار وإضراب " .

وهذه نماذج من شطحاتهم : قال أبو
يزيد البسطامي " إن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق , وما النار والله لئن
رأيتها لأطفأنها بطرف مرقعتي " .

والدسوقي يعلن أن أبواب الجنة بيديه ومن
زاره أسكنه جنة الفردوس وأبو الحسن الشاذلي يعوم في عشرة أبحر : خمسة من الآدميين :
محمد وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي , وخمسة من الروحانيين : جبريل وميكائيل وإسرافيل
وعزرائيل والروح وأحمد بن سليمان الزاهد شفعه الله في جميع أهل عصره .


شطحاتهم لا تنتهي ونكتفي بما أوردنا كنموذج للرعونة والدعوى وأقوالهم هذه
مرفوضة جملة وتفصيلاً ولا تستحق بذل الجهد لتبريرها فقاعدة الإسلام الركينة أننا
نحكم بالظاهر كما دلت جملة الأحكام الشرعية, فلا مجال لمدع أن يقول بأن باطن
أقوالهم مخالف لظاهرها , ويجب أن يصان الإسلام عن مثل هذا الشطح واللامعقول , بل
الشرك لأن ممن يتصرف في الجنة والنار فقد اتخذ نفسه نداً لله وشركاً و قال ابن عقيل
" ومن قال هذا كائناً من كان فهو زنديق يجب قتله " .

وإذا كانت الجنة بيد
الدسوقي فلينم البطالون وليستريحوا من عناء الجهد والتعب والأمر لا يحتاج إلى علم
أو عبادة أو جهاد بل مجرد زيارة الشيخ تفتح له أبواب الجنة أليست هذه نسخة أخرى عن
صكوك الغفران , وأما نحن فنستغفر الله حتى من إيراد أقوالهم .


* *
*

الفصل الثالث
البدع العَمليََّة
للصُّوفية

المبحث الأول
تربية ذليلة



"أنت أسير
في قيد الملا والصوفي , أنت لا تأخذ
الحياة عن حكمة القرآن , ليس لك بآيات
القرآن
شأن , إلا أن تموت بسهولة بسورة يس "
إقبال


وضع الصوفية قواعد عامة لتربة مريديهم وكلها تحوم حول الخضوع التام
من المريد للشيخ , بحيث يتحول التلميذ المسكين إلى آلة جوفاء تردد ما يقال لها بلا
تفكير ولا شخصية مستقلة , بل انقياد أعمى , وحتى تتم هذه التربية الذليلة ألزموهم
بلبس معين ومشية معينة وشيخ معين وطريقة معينة . ومن هذه القواعد المتعارفة بينهم :


- كن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل .
- لا تعترض فتنطرد .
-
من قال لشيخه لِمَ ؟ لا يفلح .
- من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان .


ومشت الجماهير المغفلة وراء الشيوخ يقبلون الأيدي وينحنون لهم بالتعظيم
كلما رأوهم , لا يتكلمون إلا إذا تكلم الشيخ , يصدقون بكل ما يقول , ويحملون له
حذاءه وسجادته . وقد فلسفوا كل هذا في كتبهم تحت عنوان ( آداب المريد ) فقالوا : "
ومن الأدب تعظيمه ظاهراً وباطناً , ولا تصاحب له عدواً ولا تعادي له صديقاً , ولا
تكتم عنه شيئاً مما خطر ببالك ( مثل اعترافات النصارى ) , ولا تسافر ولا تتزوج إلا
بإذنه , وأعظم من هذا قالوا : وحرم على المريدين السؤال لأن الشيخ قد يكون جاهلاً
فينفضح .

وهذا الأسلوب في تربية الأتباع ليس مستحدثاً بل تلكم عنه القشيري
في ( رسالته ) فقال : " من صحب شيخاً من الشيوخ ثم اعترض عليه بقلبه فقد نقض عهد
الصحبة ووجبت عليه التوبة , ثم إن الشيوخ قالوا : حقوق الأستاذين لا توبة منها " .


وقد أدى هذا الأسلوب إلى الغلو في المشايخ , الغلو في الصالحين فالغزالي هو
صاحب الصديقية العظمى برأي أبي العباس المرسي , والشيخ نجم الدين يستحي أن يصلي
باتجاه القبلة وخلف الشيخ أبو العباس المرسي ( القطب ) فأدار وجهه باتجاه القطب !!
ولكن أبا العباس كان متواضعاً فقال له : أنا لا أرضي خلاف السنة فقط خلاف السنة ترك
القبلة ؟! وقد كان أحمد الشريف السنوسي – من المعاصرين – شديد الاعتقاد بعمه محمد
المهدي الذي لا يرى فوق طبقته أحداً إلا سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وسلم " .


وانتقلت عدوى هذه الطريقة في التربية إلى الآباء فربوا أبناءهم على الطاعة
العمياء وأجبروهم على عادات معينة فيخرج الطفل شخصية ضعيفة .

ولنا على هذه
التربية الملاحظات التالية :

1-هذه الأساليب في تربية المريدين هي أساليب
ماكرة إما لتغطية ما على الشيخ من جهل بالدين وقلة بضاعة في العلم , أو لممارسة أشد
أنواع السيطرة على عقول وقلوب الناس وباسم احترام الشيخ . وقولهم ( العلم في الصدور
لا في السطور ) إنما هو صرف للتلاميذ عن كتب الفقه والحديث لأنه إذا قرأ فربما
يتفتح عقله – فينتبه لما عند الشيخ من دجل وخرافات .

2-لم يترب أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم هذه التربية الخانعة ولكنهم تربوا تربية القيادة والرجولة
, فكان أحدهم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوَحيٌ هذا أم هو الرأي
والمشورة؟ فإن كان الرأي والمشورة أدلى برأيه كما فعل سعد بن معاذ في غزوة الخندق
عندما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصالحة قبائل غطفان , وكان صلى الله عليه
وسلم بقيادته الحكيمة يستمع لهم ويناقشهم وجوه الرأي ولا يقول لهم : كيف تعترضون
علي وأنا سيد الخلق ورسول من رب العالمين ؟ ومع حبهم الشديد لرسول الله صلى الله
عليه وسلم كانوا لا يقومون له ولا يقبلون يديه كلما دخل وذلك لمعرفتهم أنه يكره
المبالغة في تعظيم البشر , وعقل الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه
التربية فكان أول ما تكلم به أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما تولى الخلافة " وإن
أسأت فقوموني " ويقول : " أي سماء تظلني وأي ارض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأي "
والصوفية يقولون : الشيخ يسلم إليه طريقته , وأي طريقة مع الشرع ؟ ويكتب عمر بن
الخطاب رضي الله عنه لقادة الجيوش وأمراء الأقاليم : " لا تضربوا أبشار الناس
فتذلوهم " ذلك لأن الشعب الذليل لا خير فيه , كما ذكر القرآن الكريم قصة بني
إسرائيل عندما كانوا أذلاء تحت حكم فرعون , فلما أراد موسى إخراجهم إلى العزة
والكرامة قالوا له : " فاذهب أنت وربك فقاتلا , إنا ها هنا قاعدون " .

وعقل
التابعون هذه التربة فكانوا يكرهون " أن توطأ أعقابهم " وهو أن يمشي التلاميذ وراء
الشيخ , ويقولون : " إنها فتنة للتابع والمتبوع " , ولم يعتد الصحابة تقبيل يد رسول
الله صلى الله عليه وسلم وإذا وقع فيكون نادراً , وذهب بعض العلماء إلى كراهية
تقبيل اليد مطلقاً كالإمام مالك , قال سليمان بن حرب : هي السجدة الصغرى . وعن أنس
بن مالك قال : " قلنا يا رسول الله أينحني بعضنا لبعض ؟ قال: لا " .

3-أما
لماذا تسير هذه الألوف من البلهاء وراء شيوخ الصوفية ربما يكون هروباً من الواقع ,
ولعلها تصادف متنفساً غير حقيقي لمشاكلهم وأرجح أنه ابتعاد عن التكليف الذي يفرضه
الإسلام وخاصة في أوقات الشدة والعسرة , وبعض الناس يصدقون أغرب القصص لمجرد رغبتهم
في أن تكون هذه القصص صحيحة والواقع أنها غير صحيحة .


تـــــابــــع ............. الصوفيه ... ونشأتها وتطورها 36_1_11
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لوجين
عضو فضى
عضو فضى
لوجين


ذكر عدد الرسائل : 1099
العمر : 34
السٌّمعَة : 5
نقاط : 53276
تاريخ التسجيل : 27/02/2010

الصوفيه ... ونشأتها وتطورها Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصوفيه ... ونشأتها وتطورها   الصوفيه ... ونشأتها وتطورها I_icon_minitimeالأربعاء مارس 03, 2010 1:12 am

المبحث الثاني
المتصَوفة وعلم الحَديث
من أصعب
الأمور على المتصوفة وخاصة المتأخرين منهم الاهتمام بالعلوم الشرعية وخاصة الحديث
والفقه , لأن هذه العلوم تكشف ما هم عليه من جهل وإذا دخلت في قلوب وعقول التلاميذ
فلا يبقى حولهم أحد , أما المتقدمون فكان لهم عناية بالعلوم الشرعية ولكن إما أن
يكون أحدهم مفصوم الشخصية فتجده عالماً في الفقه وأصوله ولكن عندما يتكلم في التصوف
ينقلب إلى شخصية أخرى كأبي حامد الغزالي , وإما أن يترك العلم بعد أن يكون قد أخذ
بقسط وافر منه , باعتبار أن العلم وسيلة للعمل فإذا وصل إلى العمل فلا داعي للعلم ,
وهذه مغالطة لأن المسلم يحتاج للعلم حتى آخر لحظة من حياته , وقد رمى أحمد بن أبي
الحواري كتبه في البحر وقال : نِعمَ الدليل كنتِ .

وأبو حامد الغزالي يبرر
هذا البعد عن علوم الشريعة وهذا الميل من المتصوفة إلى علم الكشف فيقول : " اعلم أن
ميل أهل التصوف إلى الإلهية دون التعليمية , ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دراسة
العلم بل قالوا الطريق تقديم المجاهدات والإقبال على الله ويقطع الإنسان همه من
المال والولد والعلم ويقتصر على الفرائض والرواتب ولا يقرن همه بقراءة القرآن ولا
يكتب الحديث " .

يقول ابن الجوزي معلقاً على كلام الغزالي : " عزيز علي أن
يصدر هذا الكلام من فقيه فإنه لا يخفي قبحه , فإنه في الحقيقة طي لبساط الشريعة " .
ومن الأوهام التي وقعوا فيها قولهم : نحن نأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت وأهل
الحديث يأخذون علمهم ميتاً عن ميت وأنشد أحد شيوخه :

إذا طالبوني بعلم
الورق برزت عليهم بعلم الخرق

وبسبب إعراضهم عن الحديث جمعوا الغث والسمين
والموضوع والضعيف في كتبهم مثل ( الإحياء ) و ( الرسالة ) و ( حقائق التفسير ) وهذه
بعض الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة الباطلة وكيف استندوا إليها وقرروا بها مذهبهم :


1-قال بعض العارفين : أول المعرفة حيرة وآخرها حيرة وذكروا حديثاً باطلاً :
" زدني فيك تحيراً " قال ابن تيمية : هذا حديث كذب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول
: " ربي زدني علماً " .

2-ذكر محمد بن طاهر المقدسي في مسألة ( السماع )
حديث الأعرابي الذي أنشد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأبيات :

قد لسعت
حية الهوى كبدي فلا طبيب لها ولا راقي إلا الحبيب الذي شغفت به فعنده رقيتي وترياقي
وأنه صلى الله عليه وسلم توجد عندما سمع ذلك حتى سقطت البردة عن منكبيه , قال ابن
تيمية : " هذا حديث مكذوب موضوع " ولا ندري كيف يروون هذا وأين عقولهم ؟ ولعلّ
الحيات لسعت عقولهم وليس قلوبهم .

3-رووا حديثاً " لو أحسن أحدكم ظنه بحجر
لنفعه " وهو من كلام أهل الشرك والبهتان وقد سمعنا بعض مشايخ الصوفية في هذا العصر
يحدث به ويعتقده .

4-" ألبسوا الصوف , وشمروا , وكلوا في أنصاف البطون
تدخلوا ملكوت السماء " ذكرها أبو طالب المكي في ( قوت القلوب ) , وهل يتكلم الرسول
صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الكلام , وهل هذا إلا اختراع لتأييد مذهب التصوف بلبس
الصوف .

هذه نماذج قليلة وغيض من فيض مما امتلأت به كتبهم كالرسالة للقشيري
حيث ذكر فيها الصحيح والضعيف والموضوع وحيث يروي عن الفضل بن عيس الرقاشي وهي من
أوهى الأحاديث وأسقطها , وارجع إلى ( الإحياء ) لترى العجب العجاب , مما يدلنا على
عدم احتفائهم بعلم الحديث أو الفقه , بل ضربهم بالعلم كافة عرض الحائط .



* * *


المبحث الثالث
البطالة
والانحِلاَل
كان أوائل الصوفية أصحاب مجاهدات وعبادات , صادقين مع
أنفسهم وإن كانت بعض أعمالهم فيها تعمق وتشدد ومخالفة للسنة ما سبق أن قررنا , ثم
ظهر بعد ذلك أجيال بنوا التكايا والزوايا وهي دكاكين للبطالة والطبل , مستريحين من
كدّ المعاش , متشاغلين بالأكل والشرب والغناء والرقص , يطلبون الدنيا من كل ظالم ,
وأين جوع ( بشر ) وورع ( السري ) وأين جد ( الجنيد ) , مع أن بناء الربطة والتكايا
ولو لتعبد والإنفراد هو بدعة في حد ذاته لأن بناء آهل الإسلام المساجد , وبناء
التكايا فيه تشبه بالنصارى لإنفراده بالأديرة . وقد قيل لبعض الصوفية أتبيع جبتك ؟
قال : إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصطاد وقد استغرب الإمام محمد بن الحسن
الشيباني من أكلهم الطعام عند الناس لا يسألون عن حلال أو حرام .

ونسو أو
تناسوا أن الإسلام يأبى الركون إلى الكسل والبطالة , وأن الزهد هو ترك ما في أيدي
الناس والاستغناء عنه تنزهاً , وليس الحصول على ما في أيدي الناس تنطعاً , وقد نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السؤال وأمر بالاكتساب والعمل فقال : " لأن يحتزم
أحدكم حزمة من حطب على ظهره فيبيعها خير من أن يسأل رجلاً فيعطيه ؟ أو يمنعه " ,
وقال صلى الله عليه وسلم " اليد العليا خير من اليد السفلى " .

وكان سعيد
بن المسيب يتجر بالزيت وكان أبو حنيفة يتجر بالقامش ... هكذا كان كبار العلماء
والزهاد يعملون بأيديهم ويتحرون الكسب الحلال .

وكان الأوائل يمتنعون عن
الزواج تشدداً وتعمقاً ثم تطور الأمر بالمتأخرين من الصوفية إلى مؤاخاة النساء
وإعطاء الطريقة للمريد , وحفلات الذكر المختلطة , مما يشعر بدنوهم من مذهب الإباحية
عند الباطنية لأن نظرية وحدة الوجود – التي استفحلت عند متأخري الصوفية – تشجع على
الإباحية " لأن الثواب والعقاب يصبح من المشكلات فمن الذي يثيبنا حين نحسن ؟ ومن
الذي يعاقبنا حين نسيء ؟ إذا كان الإنسان جزأ من الله , إنها خطر على عالم الأخلاق
, بل تأتي على قواعده من الأساس , ولذلك عاش بعض الصوفية عيشة التفكك والانحلال ,
وقد كان لابن الفارض وهو من شيوخ وحدة الوجود , كان له مغنيات بالقرب من قرية (
البهنسا ) يذهب إليهن فيغنين له بالدف والشابة وهو يرقص ويتواجد .

لم يرض
عن هذا التطور بعض الصوفية المعتدلون كالشيخ أبي سعيد الأعرابي الذي يقول في كتابه
( طبقات النساك ) : " إن آخر من تكلم في هذا العلم الجنيد وأنه ما بقي بعد إلا من
يستحي من ذكره " , كما حكى عن سهل التستري قوله : " بعد سنة ثلاثمائة لا يحل أن
يتكلم بعلمنا هذا لأنه يحدث قوم يتصنعون للخلق ولكن الصوفية استمرت في تدهورها
وأصبحت اكتساباً وتملقاً , ولبسوا جلود الضأن وحملوا قلوب الذئاب .


* *
*

المبحث الرابع
السَّمَاع وَ الذِكر

في
البداية , وعند أوائل الصوفية كانوا يحضرون مجلس ( السماع ) وهو الاجتماع في مكان
معين لسماع منشد صاحب صوت حسن مع استعمال الإيقاع الموسيقي , ينشد قصائد الزهد
وترقيق القلوب , ثم تطوروا إلى إنشاد قصائد الغزل وذكر ( ليلى ) و ( سعدى ) ويقولون
نحن نقصد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم , هذه القصائد التي تهيج الحب المطلق ,
الحب غير المعين , فكلٌ يأخذه حسب هواه وما يعتلج في قلبه من حب الأوطان أو حب
النساء ...

وقد أباح لهم هذا السماع أبو حامد الغزالي وأبو عبد الرحمن
السلمي وغيرهم , واحتجوا بأشياء واهية ضعيفة , وليس هذا موضوع مناقشة حكم الإسلام
في الغناء , فقد رد عليهم العلماء مثل ابن الجوزي وأجاد ابن القيم في مناقضة هذا
الموضوع في كتابه ( إغاثة اللهفان ) , وتبقى الحقيقة أن الأمة المسلمة أمة جادة ولا
يحلل هذا الغناء إلا من لا يفقه الإسلام حق الفقه .

ولم يقتصر الأمر على
هذه القصائد بل تطور إلى ذكر الله بالرقص والدف والغناء , وعندما تقام الحضرة تبدأ
التراتيل بذكر اسم الله المفرد ( الله ) بصوت واحد , ولكن عندما يشتد الرقص ويلعب
الشيطان برؤوسهم يرفعون عقيرتهم أكثر ويتحول اسم الله إلى ( هو ) ثم لا تسمع بعدها
إلا همهمة , وقد يجتمع مع هذا الصراخ والقفز في الهواء أخلاط الناس من النساء
والأولاد لرؤية هذا ( التراث الشعبي ) , حقاً إنها مهزلة اتبعوا فيها سنن الذين من
قبلنا فقد جاء في مزامير العهد القديم عن اليهود " ليبتهج بنو صهيون بملكهم ,
ليسبحوا اسمه برقص , بدف وعود , سبحوه برباب , سبحوه بصنوج الهتاف " .

جاء
في ( ترتيب المدارك ) للقاضي عياض : " قال التنيسي : كنا عند مالك بن أنس وأصحابه
حوله فقال رجل من أهل نصيبين : عندنا قوم يقال لهم الصوفية يأكلون كثيراً ثم يأخذون
في القصائد , ثم يقومون فيرقصون. فقال مالك : أصبيان هم ؟ فقال : لا . قال :
أمجانين هم ؟ قال : لا هم مشايخ وعقلاء . قال : ما سمعت أن أحداً من أهل الإسلام
يفعل هذا " .

وقد يكون من أسباب فعلتهم هذه هو أن النفس ترى أن تغطي شهواتها
باسم الدين والذكر والحضرة . ولو كشفت بصراحة عن نوازعها لكان الخطب أهون , لأنها
عندئذ تبقى في دائرة المعصية وهي أقل خطراً من البدعة . والله سبحانه وتعالى وصف
الذاكرين له باطمئنان قلوبهم وخشوعهم وإخباتهم , وقد كان السلف إذا سمعوا القرآن
خافوا وبكوا واقشعرت جلودهم , وهذا عكس الرقص والطرب , ولم يأمر الله سبحانه حين
أمر الناس بالعبادة – أن يأكلوا أكل البهائم ثم يقوموا للرقص , بل هذا الرقص الذي
يسمونه ( ذكراً ) وما يرافقه من منكرات مستقبح ديناً وعقلاً , هو وصمة عار أن يكون
في المسلمين من يفعل هذا , وصدق قول الشاعر فيهم :

ألا قل
قول عبد نصـــــــوح وحـــق النــصــيـحـة أن تسـتمع
متى علم النــــاس في
دينـنـا بــأن الـغــنـــا ســنــة تـتـبــــــــع
وأن يأكل المـرء أكل الحمار
ويــرقص في الجــمـع حتى يقــع
وقالوا : سكـرنــا بحب الإله ومــــا أسكر
الـــقوم إلا القـــصــع
ويسكـــره النــاي ثم الغنــا و ( يسن ) لو تليت ما
انصدع
* * *

المبحَث الخامِس
المتصَوفة
والجهَاد
تربى المسلمون الأوائل تربية جهادية , فهم مستعدون دائماً
لمصاولة الباطل والدفاع عن الحق , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ينفذون في
ذلك سنن الله سبحانه وتعالى , فالشر لا بد من دفعه بالخير و إلا فسدت الأرض , وكان
علماء السلف يرابطون في الثغور للحصول على فضيلة الجهاد , مثل الإمام أحمد بن حنبل
والإمام عبد الله بن المبارك , وقصة ما كتبه ابن المبارك للفضيل بن عياض يعاتبه
فيها على تفرغه للعبادة في مكة وعدم مشاركته في حماية الحدود الإسلامية هي قصة
مشهورة , فما هو موقف الصوفية من هذا الموضوع المهم ؟ حتى يتبين لنا هذا لا بد من
الوقوف على بعض أقوالهم وأفعالهم :

1-ألف أبو حامد الغزالي كتابه ( إحياء
علوم الدين ) في فترة تغلب الصليبين على بلاد الشام , وتذكر المؤلف كل شيء من أعمال
القلوب ولم يتذكر أن يكتب فصلاً عن الجهاد .

2-يستشهدون دائماً بحديث ليس له
أصل ويظنون أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على عادتهم في ذكر الأحاديث
الضعيفة وهو : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " ويعنون بالجهاد الأصغر
القتال في سبيل الله والجهاد الأكبر هو جهاد النفس, وهذا الكلام ليس من هدي النبوة
ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من هذا , كما أن فيه مغالطة واضحة وأي
جهاد أعظم من تقديم المسلم نفسه في سبيل الله , وقولهم هذا ما هو إلا محاولة للهروب
من تبعية القتال في سبيل الله , بل هو صرف المسلمين عن هذا العمل العظيم .


3-استرسل كثير منهم مع القدر الكوني وفهموا هذه المسألة فهماً خاطئاً فظنوا
أن الاستسلام لما يقدره الله من عدو أو مرض أو فقر هو من باب الرضى بالقضاء , ولذلك
استكانوا للحكام الظلمة وقالوا : هذه إرادة الله وكيف نخالف هذه الإرادة , فهم
دائماً مع الحاكم سواء كان مؤمناً أم كافراً , صديقاً أم زنديقاً ولم يعلموا أن قدر
الله الكوني يدفع بالقدر الشرعي , فالمرض يدفع بالدواء , والعدو يدفع بالجهاد...


4-وفي العصر الحديث وعندما اقتسمت بريطانيا وفرنسا أكثر بلاد المسلمين كانت
بعض فرق الصوفية غارقة في أذكارها وكأن شيئاً لم يكن , بل يقام للمعتمد البريطاني
لدى سورية الجنرال ( سبيرس) حفلة ( ذكر ) على طريقة المولوية يدعوه إليها الشيخ
هاشم العيطة شيخ الطريقتين السعيدية والبدرية حيث أنشدت الأناشيد وفتلت المولوية ,
ثم خطب صاحب الدار باسمه واسم إخوانه مثنياً على رئيس الجمهورية والملك جورج السادس
والمستر تشرشل والجنرال سبيرس , فأجاب الجنرال شاكراً .

وفي الجزائر كانت
فرنسا تشجع الطرق الصوفية وتسمح لهم بإقامة أذكارهم والخروج في أعيادهم بالطبول
والرايات ولذلك : " تساند الطرقيين والمعمرين على المصلحين " " وكانوا يحضرون
اجتماعات جمعية العلماء لا خدمة لغايتها ولكن عيوناً لفرنسا والإدارة المحلية ولكن
الجمعية أخرجتهم منها " , ولذلك كان أول عمل قام به باعث النهضة الإسلامية في
الجزائر في هذا العصر الشيخ عبد الحميد بن باديس هو محاربة الطرق الصوفية وذلك
أثناء تفسيره للقرآن الكريم في الجامع الكبير في مدينة قسنطية . وإذا كان الأمير
عبد القادر الجزائري قد حارب فرنسا فإنه وبتأثير تربيته الصوفية لم يكمل هذا القتال
, فقد عارض في استمرار الثورة ضد المحتل الفرنسي على يد ولده لأن الشيخ عاهد فرنسا
ألا يرفع في وجهها سيفاً مادام حياً . وعندما نفي الأمير إلى دمشق واستقر بها كان
على رأس العاملين على إعادة نشر تراث ابن عربي المملوء بفكرة ( وحدة الوجود )
الخبيثة الفاجرة .

وفي الهند وبعد ثورة 1857م المشهورة التي قام بها
المسلمون ضد الإنجليز , بعد هذه الثورة قتل من علماء المسلمين العدد الكثير ومنهم
المحدث حسن الدهلوي . في هذه الفترة كتب أحمد رضا مؤسس الطريقة الصوفية ( البريلوية
) رسالة مستقلة باسم ( إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام ) ووصفه لبلاد الهند
بأنها دار الإسلام هو خدمة لبريطانيا حتى لا يقام فيها الجهاد ضد الكفرة ثم قال
بصراحة : " إنه لا جهاد علينا مسلمي الهند بنصوص القرآن العظيم , ومن يقول بوجوبه
فهو مخالف للمسلمين ويريد إضرارهم " .

ولذلك يقول ابن تيمية عنهم : " وأما
الجهاد فالغالب عليهم أنهم أبعد من غيرهم , حتى نجد في عوام المؤمنين من الحب للأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر والحب والتعظيم لأمر الله والغضب والغيرة لمحارم الله ما
لا يوجد فيهم . حتى أن كثيراً منهم يعدون ذلك ( أي الجهاد ) نقصاً في طريق الله
وعيباً " وربما يظنون أن الذكر والتفكر والفناء والبقاء هو الأصل والأهم .


بعد هذا الإستعراض لبعض أقوالهم وأفعالهم نستطيع أن نقرر أن التربية
الصوفية بطبيعتها بعيدة عن فكرة الجهاد والقتال لأنها تعتبر الرياضات الروحية هي
الأصل والأساس , وهذه الرياضات لا تنتهي إلا إذا وصل أحدهم لمرحلة الفناء , وإذا
فني فكيف يجاهد ؟!!

ونحن نتكلم عن الصفة الغالبة عليهم , و إلا فقد يوجد
منهم من له مشاركة في دفع الظالمين , ولكن الأكثرية هم مع المطاع المتغلب ولهذا قيل
: " إن كل شعر التصوف ظهر في زمان ضـــــــعـف المسلين السياسي " .
* *
*

الصُّوفية اليَوم

هل تغيرت الصوفية عما
ذكرناه في الصفحات السابقة , هل تركوا وحدة الوجود أو الغلو في المشايخ والسير وراء
الأقطاب والأوتاد , هل تركوا البدع التي وقعوا فيها والتي تخالف سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم , أم أنهم متمسكون بكل هذا التراث ؟ الواقع أنهم موجودون بكل الفئات
التي ذكرناها وبكل العقائد الفاسدة والخرافات اللا معقول , وبكل طرقهم الكثيرة
المنتشرة على رقعة العالم الإسلامي كالشاذلية والنقشبندية والرفاعية والقادرية
والتجانية والبريلوية .. الخ من الطرق , والتفرق لا ينتهي عند حد معين .


وصوفية اليوم منهم العوام الجهلة الذين لا يعرفون إلا الأذكار الجماعية
والتماس البركات من الشيخ , ومنهم الغلاة الذين يعتقدون بما يقوله ابن عربي وابن
الفارض , ومنهم علماء الفقه ولكنهم ينتسبون إلى طريقة من الطرق المشهورة وكأن
الانتساب لها ضربة لازب , أو كأنه يحس بنقص إذا لم يكن منتسباً إلى القوم , فلا بد
أن يكون الشافعي مذهباً والشاذلي طريقاً ... ونجد هذا الفقيه لا يمارس طقوسهم ولا
يعتقد الكثير من عقائدهم ولكنه التقليد والخوف من الخروج عن المألوف .

كان
أحد مشايخ الصوفية من بلاد الشام يجلس في المسجد الحرام في مكة المكرمة ووجهه إلى
الكعبة ولكن تلامذته يجلسون صامتين ووجوههم إلى الشيخ لأن النظر إلى وجه الشيخ
عبادة , ولم يكن يلقي عليهم درساً .

وعندما يقوم من مجلسه يسرعون لخدمته
فأحدهم يمسك له الحذاء وآخر يناوله العصا , ويمشون وراءه كأن على رؤوسهم الطير .
أليست هذه هي التربية الذليلة التي تكلمنا عنها ؟

وصوفي آخر من بلاد الشام
يوزع على تلامذته ( ورد الشاذلية ) وأوله بالحرف الواحد : " اللهم انشلني من أوحال
التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة " أليست هذه هي وحدة الوجود بعينها ؟


وعندما أراد الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر سابقاً أن يكتب سيرة سيده
أبي العباس المرسي ذهب إلى قبر ( البدوي ) يستأذنه في الكتابة فأذن له !! ويُدعى
الشيخ إلى الهند للمشاركة في احتفال إقامة قبة على قبر شيخ من شيوخ الصوفية هناك
فيلبي الدعوة , ألا يعلم شيخ الأزهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ؟ ألا
يعلم الصوفية أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد ؟ فلماذا لا
يمتثلون أمره إذا كانوا يحبونه كما يدعون ؟ ولكنه الهوى الذي يخرم العقل والدين
معاً .

ولا يزال أصحاب الطريقة الرفاعية عندما يجتمعون ( للحضرة ) يضرب
أحدهم نفسه بآلة حادة تسمى ( الشيش ) وإذا لم تؤثر فيه يقولون : هذه كرامة له ,
وإذا كان فاسقاً قالوا : هذه كرامة لشيخ الطريقة !!

وإذا ذهبت إلى شمالي
بلاد الشام أو مصر أو المغرب ترى هذه البهلوانية على الطريقة الرفاعية . وما يفعل
في مصر من احتفالات مولد البدوي أو الحسين , حيث حفلات الرقص الطبل والزمر , وحيث
الاختلاط بالنساء وتضييع الفرائض شيء يخجل منه أهل الإسلام ويتبرأ منه دينه وشرعه ,
والأزهر بجوارهم وما من منكر عليهم , وتقام الصلاة في مسجد الحسين ولا يدخلون
للصلاة لأنهم جاءوا للاحتفال ( بسيدنا الحسين ) وليس للصلاة .

وللطرق في
مصر شيخ مشايخ ولهم مجلة تذكر في عددها ( 57) أن الطريقة الحامدية الشاذلية أقامت
احتفالاً بذكرى سيدهم إبراهيم سلامة الراضي , واعتذر شيخ المشايخ عن الحضور لأنه
مشغول باحتفالات مولد ( البدوي ) والعدد القادم للمجلة يحتفل بعيد المولد النبوي
... وهكذا أيامهم كلها أعياد واحتفالات لا تنتهي , ولكل طريقة احتفالاتها :


وكم في مصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء


وأما في إفريقيا فالبلاء أعظم والخطب أعم و فالطريقة التيجانية
تسيطر على غرب القارة وخاصة في السنغال , ويكفي للتدليل على قلة عقولهم وضلالهم قول
مؤسس هذه الطريقة : " من حصل له النظر فينا يوم الجمعة والاثنين يدخل الجنة بغير
حساب ولا عقاب " , وقوله : " وسألته صلى الله عليه وسلم لكل من أخذ عني ورداً أن
تغفر لهم جميع ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر " أليست هذه دعوة إلى الانحلال وترك
التكاليف ( فالنظر إلى الشيخ يدخل الجنة بلا حساب ) !!

وإذا يممت وجهك صوب
المشرق فَـثمَّ البلاء كله , فالهنود مغرمون بالمبالغات والقصص الغريبة عن شيوخ
الصوفية . وقد انتشرت في هذا العصر الطريقة ( البريلوية ) وامتدت إلى باكستان ولها
أتباع كثيرون من الحمقى والمغفلين , ومبادؤها تمثل الغلو في شخص الرسول صلى الله
عليه وسلم ومعاداة أهل السنة , قال مؤسس الطريقة أحمد رضا موضحاً منهج الصوفية في
الابتعاد عن التوحيد : " إذا تحيرتم فاستعينوا بأصحاب القبور " ويقول في غلوه في
شخص الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصرف في كل
مكان وهو ملك الأرضين , ومالك الناس " , وأما عن علاقته بالمسلمين في الهند فهو
معاد لأهل الحديث يسب ويشتم أمثال القائد العالم إسماعيل الدهلوي الذي استشهد في
معركة مع طائفة ( السيخ ) الكفرة .

وأخيراً هناك سؤال لا بد منه وهو :
لماذا هذا الاهتمام بالصوفية من دوائر الإستشراق , بل يمكن القول بأن كثيراً من
بحوث التصوف الحديثة ترجع إلى عمل المستشرقين , الذين اهتموا بالتعليق على موضوعاته
و إخراج المؤلفات الصوفية وطبعها ونشرها , وقد ترجمت إلى الألمانية تائية ابن
الفارض في مدينة فيينا سنة 1854 , كما ترجمها إلى الإيطالية ( أكنيزوا ) في روما
عام 1917 وإلى الإنجليزية ( نيكلسون ) عام 1921 . وقد أمضى المستشرق الفرنسي (
ماسينون ) كل حياته متفرغاً للكتابة عن الحسين ابن منصور الحلاج الذي أفتى علماء
بغداد بقتله لقوله بالحلول وقد كتب ( ماسينون ) عن الحلاج ثلاثة مجلدات .
والمستشرقون لم يهتموا بالصوفية وإبراز الغلاة منهم فقط , بل بكل الفرق كالمعتزلة
والشيعة والخوارج , فلماذا هذا الإهتمام إن لم يكن لإبراز الوجه الآخر لتاريخ
المسلمين وليستمر الضالون في ضلالهم .


كلمَة أخيرة



إن المهمة الرئيسية التي ترجوها من وراء بحثنا هذا هي تجلية
أسباب التفرق وما ينشأ عنه من الابتعاد عن الصراط المستقيم وعن منهج أهل السنة
والجماعة , ولذلك سنذكر بعض العوامل والصفات المشتركة التي ساعدت على تشكل الصوفية
وإظهارها بصورتها الحالية , وأعطتها ملامحها الأساسية التي تعرف بها وتميزها عن
غيرها , وبذلك يسهل على المسلم معرفة الخير من الشر ويسهل عليه تمييز الواقع الحالي
لدعاتها ومنتسبيها , وسنذكر هذه الصفات والعوامل بإيجاز مركز .

أولاً :
ضعف العلم الشرعي :

وهو – كما يقول ابن الجوزي – من
أول تلبيس إبليس عليهم , إذ قالوا: المقصود هو العمل , ونحن نعبد الله ونذكره
دائماً و وقد تركنا الدنيا واتجهنا إلى الله . ومن هذا التصور بدأ مصباح العلم يخفت
ضوؤه شيئاً فشيئاً و فعرضوا عن العلم الشرعي الذي هو طريق العمل الصحيح كالحديث
والفقه والتفسير , فغلب عليهم الجهل وانتشرت البدعة والخرافة بينهم . فعبادات أكثر
المتصوفة وخاصة العوام منهم حشوها البدع , وذلك لما أشاعه مشايخهم من مفاهيم مغلوطة
عن البدع حسنتها في عقولهم .

ثانياً : التأويل :


وهي مشكلة عامة الفرق , البلاء المشرك بينها , فقد جنحوا إلى تأويل
النصوص وتحريفها عن ظاهرها المتبادر إلى معان لا تليق بها حتى يستدلوا بها على
مذهبهم وأقوالهم الفاسدة , وقد رأينا من قبل أمثلة من تأويلهم للآيات القرآنية في
مبحث ( الشريعة والحقيقة ) وأنهم قد أغروا بالإتيان بمفهوم مخالف للفهم المستقيم
ظناً منهم أن تلك هي مرتبة الخواص, والتأويل بهذا المعنى من شيم الباطنية , وخصلة
من خصال أهل الكتاب الذي قال الله فيهم : " من الذين هادوا يحرفون الكلم عــن
مواضـعـه " .

ثالثاً : الغلو في المشايخ :

تحدثنا عن هذه الظاهرة خلال سردنا لمعتقداتهم في الأقطاب والأوتاد وفي
الأولياء والكرامات وانعكاس ذلك على التربية الذليلة التي يراض بها المريدون خضوعاً
لذوي العصمة من مشايخهم , ولا شك أن هذه الظاهرة من الصفات المميزة المقبوحة لدى
الصوفية , وهي كالتأويل صفة مشتركة بينهم وبين الشيعة , وبينهم وبين النصارى ,
فالشيعة غالوا في أئمتهم فقالوا بعصمتهم والنصارى غالوا في المسيح عليه السلام
فرفعوه إلى مرتبة الألوهية , وهو ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "
لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنــــا عبد الله ورسوله " . وقد
قال بعض العلماء : " من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود , ومن فسد من عبادنا ففيه
شبه بالنصارى " والموفق من أنجاه الله من براثن الغلو ومن التشبه بإحدى هاتين
الطائفتين .

رابعاً : البعد عن منهج السَّــلف :


كانت النتيجة الطبيعية لابتداع الأفكار والأعمال لدى الصوفية أن
بعدت مناهجهم في الاعتقادات والعبادات جميعاً عن السنة وعن مناهج الصحابة والتابعين
, وانحط تقديرهم للسلف – وإن أظهروا غير ذلك – لأنهم ربما نظروا إليهم على أنهم
فهموا الإسلام فهماً سطحياً وأن المشايخ والأولياء قد تقربوا إلى الله بما لم يتقرب
إليه أحد من الرعيل الأول , وأنهم وصلوا إلى مراتب لم يصلها أحد من السابقين
الأولين , وكان من نتيجة ذلك عدم العودة إلى منهج الصحابة والتابعين عند الاختلاف و
وحرموا الاستفادة من خير الأجيال .


خامساً : الصِّلة
بين التصَّـوف والتشيع :

إن صلة الصوفية بالتشيع شيء مؤكد , فمرجعهم
دائماً من الصحابة هو علي بن أبي طالب أو الحسن بن علي " الذي هو أول الأقطاب "
وقالت الصوفية بالقطب والأبدال وهذا من أثر الإسماعيلية والشيعة . وعوامل نشأة
الفرقتين وطبيعة كل منها توجب أن يقترب التشيع والتصوف , فالشيعة انهزموا في ميدان
السياسة , والصوفية انهزموا في ميدان الحياة , وأهل فارس هم أكثر الناس تصوفاً بين
الأمم الإسلامية , وقد أخذ الصوفية فكرة الحياة المستمرة لبعض الأشخاص من الشيعة
الذين يقولون بمهدية فلان أو فلان وأنه حي إلى الآن . قال ابن حزم : " وسلك في هذا
السبيل بعض نوكي الصوفية فزعموا أن الخضر وإلياس عليهما السلام حيّـان إلى اليوم "
.

وقد اعتمد السلمي في تفسيره على ما يروى عن جعفر الصادق من تأويلات للقرآن
مخالفة للمنهاج الصحيح في التفسير , فإذا قالت الشيعة في تفسير قوله تعالى " وعلى
الأعراف رجال " هو علي بن أبي طالب يعرف أنصاره بأسمائهم , قال السلمي : أصحاب
المعرفة أصحاب الأعراف , وقال ابن عربي : " رجال هم العرفاء أهل الله وخاصته " .


ويذكر السراج أنه " لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من بين
جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصية بمعان جليلة و إشارات لطيفة وألفاظ
مفردة وعبارة وبيان للتوحيد والمعرفة والعلم , تعلق وتخلق بها أهل الحقائق من
الصوفية " , وعلي رضي الله عنه من علماء الصحابة وأفضلهم بعد سابقيه في الخلافة
فلماذا هذه الخصوصية ؟

كما أخذ الصوفية مسألة عصمة الولي من الشيعة الذين
يقولون بعصمة الأئمة ولكنهم أخفوها فترة من الزمن فسموها ( الحفظ ) ثم صرح بها
القشيري فقال : " واعلم أن من أجل الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق
للطاعات والعصمة من المعاصي والمخالفات , ويجوز أن يكون من جملة كرامات ولي الله أن
يعلم أنه ولي " . ومن الموافقات الغريبة أن كل زعماء الطرق الصوفية يرجع نسبهم إلى
علي بن أبي طالب ويتوارثون زعامة الطريقة كالإمامة عند الشيعة , وإذا كانت المشيخة
هي محصول المجاهدة والسلوك فهل ولد الشيخ يجب أن يكون شيخاً ؟

إن الشيخ عبد
القادر الجيلاني يرجع نسبه إلى آل البيت وكذلك الشيخ أحمد الرفاعي والبدوي وأبو
الحسن الشاذلي والبكتاشي والسنوسي والمهدي وكل زعماء الطرق حتى في البلاد الأعجمية
مثل محمد نور بخش وخواجه اسحق وباليم سلطان ... .

وأخيراً فإننا لم نكتب عن
الصوفية إلا لتوضيح منهج أهل السنة ونميزه عن غيره لأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا
بما صلح به أولها , ولأنه دين الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمه
السلف وهو لا يحتمل هذه الطرق التي تفرق به عن سبيله , ولا يمكن أن تكون الصوفية –
وبأقل درجاتها وأقصى اعتدالها – لا يمكن أن تكون هي منهج الإسلام, لهذه الأسباب
كتبنا عنها وأما الذين يقولون : إن الصوفية ما هي إلا سلوك وتهذيب للنفس ورياضة
روحية , هؤلاء يقال لهم : إذا لم تكن توجيهات القرآن الكريم وتوجيهات السنة النبوية
فيهما تهذيب للنفس والسمو بها إلى درجات يحبها الله ورسوله فلا خير فيما خالف هذه
التوجيهات في سواء الصوفية أو غيرها وإذا كان قدماء الصوفية قد تكلموا بكلمات
مقبولة عن خبايا النفس الإنسانية وتعرجاتها , ومعالجة أمراض القلوب , فهذا شيء طيب
وهو من أمر الله ورسوله ولا نسميه صوفية لأنها أصبحت علماً على كل ما ذكرناه من
البدع , ولا بد لمن يأخذ بها أن يصيبه شيء منها , فالغزالي الذي تكلم فأجاد عن
أمراض القلوب قد وقع في حبائلهم الوجودية عندما قال : " ترقى العارفون من حضيض
المجاز إلى ذروة الحقيقة فرأوا بالمشاهدة أن ليس في الوجود إلا الله " وهذا هو
القول بوحدة الوجود .

شيء آخر لا بد أن يكون واضحاً وهو أنه عند توضيحنا
لمنهج الصوفية فهذا لا يعني أن كل فرد من أفرادهم قد حكمنا عليه بفساد المعتقد وسوء
المنقلب , فكثيراً ما يلتبس الحق بالباطل ويجتمع في الرجل الواحد الخير والشر
والسنة والبدعة ومن العدل أن نذكر هذا وهذا لأن بعض الناس يظنون أن الصوفية هي
الطريق الصحيح لما نشأوا عليه من صغرهم أو ما شاهدوه من آبائهم ومشايخهم , ولكن لا
بد من تبصيرهم بدينهم الحق وإبعادهم عن البدع التي يحسبونها صغيرة وهي عند الله
كبيرة .

إن ابن تيمية – الذي يعتبرونه العدو الأكبر لهم – عند مفاضلته بين
الصوفية والمتكلمين يفضل الجانب العبادي العملي عند المتصوفة بالمقارنة مع الجدل
النظري عند المتكلمين , والظاهر أنه لاحظ ما عليه أوائل الصوفية من استقامة على
المنهج الصحيح في موضوع الأسماء والصفات مع كثرة عبادتهم , ولكنه لم يلاحظ أنهم هم
أنفسهم يخلطون في أمور التوحيد والعلم والعمل و فالكلاباذي الذي يوصف بأنه معتدل
يعرف التوحيد " أن لا يشهدك الحق إياك " وهو تعريف يحتمل الحق والباطل , ونجد
القشيري يتكلم عن عصمة الأولياء , وأخطاء السلمي في التفسير عجيبة , وقصص الغزالي
في الإحياء أعجب , حتى القدامى منهم كالجنيد والشبلي والمحاسبي لهم أخطاء واضحة ,
وهؤلاء يوصفون بالاعتدال .

وابن تيمية كثيراً ما يقرن بينهم وبين المتكلمين
فيقول : هؤلاء انحرفوا في كذا , وهؤلاء انحرفوا في كذا , والمقصود طبعاً غلاة
المتكلمين كالرازي والآمدي , و إلا فهل يقارن بين أبي بكر الباقلاني وأمثاله من
متكلمي الأشاعرة وبين خزعبلات الصوفية , وأين علم أبي بكر ودفاعه عن الإسلام وفقهه
من شطحات وغموض الصوفية ؟ ولذلك كان عالم آخر كابن عقيل صريحاً أكثر في رأيه عندما
يقول : " والمتكلمون عندي خير من الصوفية لأن المتكلمين قد يزيلون الشك والصوفية
يوهمون التشبيه , ومن قال حدثني قلبي عن ربي صرح بأنه غني عن الرسول صلى الله عليه
وسلم .

والقشيري يعتبر الصوفية أفضل الناس بعد الأنبياء والرسل , وهم غياث
الخلق !! ولا أدري ماذا ترك للصحابة والتابعين والعلماء العالمين . وصدق الله تعالى
: " كل حزب بما لديهم فرحون " ولو أنصفوا وقاسوا أنفسهم بمقياس الشريعة المعصومة
لعلموا أنهم مبتدعون , ولكنه التعصب والإعجاب بالنفس . والقضية ليست في قول فلان من
الناس : هذا هو طريقي أو ما أرضاه لنفسي ولكن القضية أنه ليس هناك إلا طريق واحد هو
الحق , طريق أهل السنة والجماعة , وليس بعده إلا الظلال .

ونحن ندعو دائماً
مع الرسول صلى الله عليه وسلم :

" اللهم رب جبرائيل
وميكائيل وإسرافيل , فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة , أنت تحكم بين
عبادك فيما كانوا فيه يختلفون , اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك , إنــك تهـدي
من تشاء إلى صـــراط مستقيم " .
وآخر دعوانا أن الحمد
لله رب العالمين .









ملاحق البَّحث

( أ ) رأي العلماء في كتب
الصُّوفية

1-كتاب ( إحياء علوم الدِّين ) لأبي حَامد الغزالي :
قال ابن
تيمية : " الإحياء فيه فوائد كثيرة , كلن فيه مواد مذمومة فإنه
فيه مواد فاسدة
من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد , وقد أنكر أئمة الدين على أبي
حامد هذا في كتبه وقالوا : أمرضه الشفاء , يعـنـــون ( كتاب الشفاء ) لابن سينا في
الفلسفة , وفي الإحياء أحاديث وآثار ضعيفة بل موضوعة : كثيرة , وفيه أشياء من
أغاليط الصوفية وترهاتهم , وفيه مع ذلك من كلام المشايخة الصوفية المستقيمين في
أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة , وأما ما فيه من الكلام في ( المهلكات ) مثل
الكلام على الكبـِــر والعجب والحسد فغالبه منقول من كلام الـحــارث المحـاسبـي
فــي ( الرعاية ) , ومنه ما هو مقبول وما هو مردود " .

وقال ابن الجوزي : "
وإني لأتعجب من أبي حامد كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة , كيف يحل
القيام على الرأس طول الليل , وكيف يحل إضاعة المال , وكيف يحل السؤال لمن يقدر على
الكسب فما أرخص ما باع أبو حامد الفقه بالتصوف وسبحان من أخرجه من دائرة الفقه
بتصنيفه كتاب الإحياء " .

وقال أبو بكر الطرطوشي : " شحن أبو حامد كتاب
الإحياء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وما على بسيط الأرض أكثر كذباً
منه شبكه بمذاهب الفلاسفة ومعاني رسائل إخوان الصفا " .

وقال الذهبي : "
فيه من الأحاديث الباطلة جملة , وفيه خير كثير لولا ما فيــه من آداب ورســوم
وزهـــد من طـريـق الحكمــاء ومخرف الصوفية " .
2-كتاب ( قوت القلوب ) لأبي
طالب المكي :
قال الشاطبي : " لأبي طالب آراء خالف فيها العلماء , حتى أنه
ربمــــا
خالف الإجماع في بعض المواضع , لكن له كلام حسن في الوعظ والتذكير
والتحريض على طلب الآخرة , فلذلك إذا احتاج الطلبة إلى كتاب طالعوه متحرزين , وأما
العوام فلا يحل لهم مطالعته " .

قال ابن كثير : " كان رجلاً صالحاً له كتاب
( قوت القلوب ) ذكر فيــه
أحاديث لا أصل لها , بدّعه الناس وهجروه " .


3-تفسير أبو عبد الرحمن السَّـــلمي:
قال ابن تيمية : " يوجد في كتبه
من الآثار الصحيحة والكلام المنقــــول
ما ينتفع به في الدين , ويجد فيه من
الآثار السقيمة والــــكلام الــــمردود ما يضر من لا خبرة له , وبعض الناس توقف في
روايته " .

قال الذهبي : " له كتاب يقال له ( حقائق التفسير ) وليته لم
يصنفه , فإنه تحريف وقرمطة , ودونك الكتاب فسترى العجب " . قال الواحدي : " فإن كان
اعتقد أن ذلك التفسير فقد كفر " .

( ب ) الخلوات عند الطريقة الرِّفاعية


" يتقدم المريد إلى رتبة الجاويش أو المقدم بعد اجتياز خلواتها الأربعة
:
الأولى : ثلاثة أيام والابتداء فيها يكون يوم الأحد .
الثانية : ثلاثة
أيام والابتداء فيها يكون يوم الاثنين .
الثالثة : أربعة أيام والابتداء فيها
يكون يوم الثلاثاء .
الرابعة : خمسة أيام والابتداء فيها يكون يوم الأربعاء .

ويفصل بين كل منها عشرة أيام .

وشرط الأكل فيها ألا يأكل المتريض إلا في
الصباح والمغرب , ولا يزيد فيها على ما يسد الرمق , وبشرط ألا يدخل شيئاً ذا روح "
وأن يكون محجوباً عن الناس تماماً في مكان مخصوص طاهر لا يدخله أحد , ويشتغل بالذكر
وهو ( يا حميد ) بعدد أقله ثلاثــــة آلاف مـــرة عـقـب كل صلاة , وفي الريــاضة
الثانية يكون ذكره ( يا رحيم ) أقله أربعة آلاف مرة , وفي الرياضة الثالثة ( يا
وهاب ) وأقله خمسة آلاف مرة وإلى جانب هذه الخلوات المخصوصة , بمختلف الدرجات , على
كل الإخوان في الطريق الرفاعي , وكل من أخذ العهد أن يقوم بخلوة سبعة أيام ابتداء
من اليوم التالي من عاشوراء وشروطها صياح السبعة أيام المذكورة , ولا ينام في تلك
الأيام السبعة مع عياله بفراش قطعاً ولا يأكل من ذي روح . وقــد قـــال الرفاعي :
إن خلوة السبعة سبب الفيض للسالك والمريد الصادق " .

( ج ) ورد ( جَوهَرة
الكمال ) في الطريقة التيجانية

" اللهم صل وسلم على عين الرحمة الربانية ,
والياقوتة المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني ونور الأكوان المتكونة الآدمي ,
صاحب الحق الرباني , البرق الأسطع بمزون الأرياح المائلة لكل متعرض من البحور
والأواني , اللهم صل على عين الحق التي تتجلى منها عروش الحقائق عين المعارف
الأقوام , صراطك التام الأسقم , اللهم صل على طلعة الحق بالحق الكنز الأعظم . صلى
الله عليه وسلم وعلى آله صلاة تعرفنا بها إياه " .



( د ) كلمَـات لأبي سُـليـمَـان الداراني

"
مفتاح الآخرة الجوع , ومفتاح الدنيا الشبع , وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف
من الله تعالى " .

" ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يفت لك ولكن
أبدأ برغيفيك فاحرزههما ثم تعبد , ولا خير في قلب يتوقع قرع الباب , يتوقع إنساناً
يجيء يعطيه شيئاً " .

" ما رأيت صوفياً فيه خير إلا واحداً عبد الله بن
مرزوق وأنا أرق لهم ".

" من كان يومه مثل أمسه فهو في نقصان "

" لولا
الليل ما أحببت البقاء في الدنيا , وما أحب البقاء في الدنيا لتشقيق الأنهار ولا
لغرس الأشجار " .


( هـ ) ترجمَـة الحَـلاج


قال ابن كثير : " ونحن نعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يكن قاله أو
نتحمل عليه في أقواله وأفعاله فنقول : هو الحسن بن منصور الحلاج , كان جده مجوسياً
من أهل فارس , نشأ بواسط ودخل بغداد وتردد إلى مكة , وكان يصابر نفسه ولا يجلس إلا
تحت السماء في وسط المسجد الحرام , وقد صحب جماعة من سادات الصوفية كالجنيد وعمرو
بن عثمان المكي وأبي الحسين النووي قال الخطيب البغدادي والصوفية مختلفون فيه
فأكثرهم نفى أن يكون الحلاج منهم وقبله بعضهم كأبي العباس البغدادي ومحمد بن خفيف
وإبراهيم بن محمد وصححوا حاله .

حكى عن غير واحد من العلماء إجماعهم على
قتله وأنه قتل كافراً . وكان مشعوذاً متلوناً فهو مع كل قوم على مذهبهم إن كانوا
أهل سنة أو رافضة أو معتزلة أو صوفية أو فساقاً وغيرهم , وما زال يضل الناس ويسموه
عليهم حتى ادعى الربوبية فسجن في بغداد وأجمع الفقهاء على كفره وزندقته وأنه ساحر
ممخرق , قتل ببغداد بعد فتوى الفقهاء " .

قال الاصطخري الحلاج كان رجلاً
ينتحل النسك فما زال يرتقي به طبقاً عن طبق حتى انتهى به الحال إلى زعم أنه ممن هذب
في الطاعة نفسه وأشغل بالأعمال الصالحة قلبه وصبر على مفارقة اللذات , ارتقى بها
إلى مقام المقربين ثم لا يزال يتنزل في درج المصافاة حتى يصفو عن البشرية في طبعه
وعندئذ يحل فيه روح الله الذي كان من عيسى بن مريم فلا يريد شيئاً إلا كان " .






* *




ثبت المراجع





ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم

الفتاوى : ط . الرياض
اقتضاء الصراط المستقيم
درء تعارض العقل والنقل:
تحقيق رشاد سالم
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح
الاستقامة : تحقيق رشاد
سالم


ابن القيم محمد بن أبي بكر
مدراج السالكين
إغاثة اللهفان


ابن الجوزي عبد الرحمن بن علي
صفة الصفوة
تلبيس إبليس
ابن عطاء
الله السكندري لطائف المنن
أبو الحسن الأشعري مقالات الإسلاميين
أبو الحسن
الأشعري اللمع
أبو نصر السراج المقدمة
ابن خلدون إسماعيل بن كثير
ابن
كثير البداية والنهاية
الآلوسي أبو المعالي محمد شكري
غاية الأماني في الرد
على النبهاني
الآلوسي نعمان خير الدين
جلاء العينين في محاكمة
الحمدين
البقاعي برهان الدين
تنبيه الغبي لتكفير ابن عربي : تحقيق
الوكيل
البيروني أبو الريحان محمد بن أحمد – تحقيق
ما للهند من مقولة : ط .
حيدر أباد
الجيلاني عبد القادر – الفتح الرباني
الجرجاني التعريفات

الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان
سير أعلام النبلاء : ط . مؤسسة الرسالة

ابن سعد الطبقات
الشاطبي
الشاطبي أبو إسحاق إبراهيم بن موسى – الاعتصام
من البدع
الموافقات – الإفادات والإنشادات
الشيباني الإمام محمد بن الحسين

الكسب : تحقيق سهيل زكار
الشوكاني محمد بن علي – قطر الولي على حديث الولي
: تحقيق إبراهيم هلال
الشعراني عبد الوهاب – الطبقات الكبرى
الرازي اعتقادات
فرق المسلمين
الراغب الأصفهاني الحسين بن محمد – الذريعة إلى مكارم الشريعة

الكلاباذي أبو بكر محمد – التعرف لمذهب التصوف
احمد أمين ظهر الإسلام

إحسان إلهي ظهير الشيعة وآل البيت
خليل مردم بك يوميات الخليل
زكي
مبارك التصوف الإسلامي في الآداب والأخلاق
سميع عاطف الزين الصوفية
شكيب
أرسلان حاضر العالم الإسلامي
صديق بن حسن القنوجي أبجد العلوم
عامر النجار
الطرق الصوفية
عبد الله سلوم السامرائي الغلو والفرق الغالية في الحضارة
الإسلامية
عبد القادر عيسى حقائق عن التصوف
عبد الرحمن الإفريقي الأنوار
الرحمانية لهداية الفرق التيجانية

عبد الرحمن بدوي الإنسان الكامل في
الإسلام – شخصيات قلقة في الإسلام – من تاريخ التصوف الإسلامي – من تاريخ الإلحاد –
شطحات صوفية
د. مصطفى الشيبي الصلة بين التصوف والتشيع ط . دار المعارف
عبد
الرحمن الوكيل هذه هي الصوفية ط . دار الكتب العلمية
علي بن محمد الدخيل الله
التيجانية – نشر دار طيبة
مالك بن نبي مشكلة الأفكار
مصطفى صبري موقف العقل
والعلم والعالم من رب العالمين
رشيد رضا تاريخ الإمام
ولي الله الدهلوي حجة
الله البالغة
آدم متز الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري
الكسيس
كاريل تأملات في سلوك الإنسان – نشرة جامعة الدول العربية
الصوفيه ... ونشأتها وتطورها 36_1_39
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أنوس
عضو فضى
عضو فضى
أنوس


انثى عدد الرسائل : 1406
العمر : 38
السٌّمعَة : 6
نقاط : 54873
تاريخ التسجيل : 20/10/2009

الصوفيه ... ونشأتها وتطورها Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصوفيه ... ونشأتها وتطورها   الصوفيه ... ونشأتها وتطورها I_icon_minitimeالأربعاء مارس 03, 2010 7:47 am

تسلم ايدك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الصوفيه ... ونشأتها وتطورها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى جنة :: المنتدى الاسلامى :: الفتاوى الشرعية-
انتقل الى: