الطفل إسلام
لم يستطع الطفل الصغير "إسلام" أن يقوم بأداء واجب الحساب وبالطبع لم يرق الأمر لمدرس الفصل وأراد تأديبه، فانهال عليه ضرباً "بالشالوت" حتى فقد الطفل الرقيق الوعي، ولم يكفِه مشهد الطفل هو مغمى عليه في الأرض، وكأن لا قلب فيه، فأخذ يعذبه ركلاً بقدميه في قلب الطفل الصغير حتى فاضت روحه.
لم يمت "إسلام" بقدر ما مات الضمير المصري في قلوب الجميع فالأساتذة أصحاب "المدرِّس" بدا الدم الذي يجرى في عروقهم ماء، وكأنهم ليسوا آباء وأمهات لأطفال آخرين يمكن أن يفقدوهم في غمضة عين، فلم يتحرك منهم أحد لإنقاذ الطفل الذي ظل يصرخ قرابة ربع الساعة قبل أن يفقد الوعي، وليس هذا فحسب بل تستروا على هذه الجريمة وأكدوا أن الطفل مات "لوحده" وليس من كثرة ضرب معلمه، وكذلك طبيب المستشفى الذي فقد كل حسه المهني والأخلاقي وهو يؤكد لوالد الطفل أنه لا يعرف سبباً للوفاة..
الدكتورة "لميس جابر" تقول: إنها أيام معدودة وتنتهي الأزمة ويتم حبس المدرس 7 سنوات -أقصى عقوبة لتهمة ضرب أفضى إلى موت في القانون المصري- ثم يخرج بعدها وكأن شيئاً لم يكن وهذه هي المأساة الحقيقية متسائلة عن ماهية النشاط المدرسي الذي لا يعرفه الطلاب حتى يتبرعوا له، والذي يكون في غالب الأمر عبارة عن "تزيين الفصول" حتى يقال إن فصل أستاذ فلان "جميل" فحسب، دون أن يستفيد منه الطلاب، وهو في الأساس ليس فرضاً عليهم، فالضحية ليس "إسلام" وحده وإنما كل التلاميذ المعرضين لنفس مصيره باعتبارهم تحت رحمة مدرسين يحملون في طياتهم كل مساوئ النظام التعليمي المهترئ، ويعيشون في مجتمع غاب فيه القانون وتسلط فيه العنف، وضاعت فيه الحقوق وأهين فيه الإنسان والطفل، والتصقت فيه الكراسي بأصحابها إلى آخر العمر، وإعلام أصابنا بالصداع صياحاً حول حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الإنسان.
وانتقدت "جابر" انشغال الدكتور "يسري الجمل" بإجراء اختبارات ساذجة في المعلومات العامة للمدرسين لتحديد الكادر، في الوقت الذي لم يخطر بباله فرض تدريس منهج للتربية وعلم النفس لا يعينون دون النجاح فيه.
من جهته يؤكد الدكتور "حسنين كشك" الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة لـ"بص وطل" أن الأزمة ليست في المدرس، وإنما في نظام تعليم منهار بالكامل، فبداية يجب إقالة الوزير نفسه، فالتعليم في الماضي كان يهدف إلى التقويم، وعلاقة المدرس بالتلميذ لم تعْدُ علاقة القدوة، أما الآن فالعلاقة أصبحت ندية بسبب عدم وضع اختبارات تربوية للمدرس قبل تعيينه؛ لاستبعاد من لم يصلح حفاظا على هيبة التعليم. وإن دل هذا على شيء فيدل على أن هناك حالة من العنف المجتمعي تسود المجتمع، مشيرا إلى أن صغر سن المدرس وعدم خبرته يؤدي لعدم تصرفه بحكمة.
ويضيف "كشك": إن الدراسات النفسية أكدت أن الثواب أقوى وأبقى أثراً من العقاب في عملية التعليم، وأن الضرب يترك أثراً على جسم الطفل ونفسيته بل ورغبته في الدراسة والتعلم، أما القول بأنه يحقق الانتباه وأداء الواجب وحفظ الدرس، فمردود عليه بأن الغاية لا تبرر الوسيلة، فالدافعية للتعلم لا تنبعث من دخيلة المتعلم. والتعليم بالإكراه لا يمس صميم السلوك بل القشرة الخارجية منه، ويبقى اللب يتأثر بالإقناع والحوار. كما أن المدرسة لا تقدم كل المعرفة التي توصل إليها العلم أو التي يحتاجها الإنسان في حياته وبالتالي تجبر الطالب في الوقوف عليها ولو بالضرب، وإنما تقدم له الأدوات الكفيلة بالتعلم الاكتشافي وحب المعرفة، والمعلم الذي يعي الأهداف الاستراتيجية للتعليم يعمل على هندسة البيئة التعليمية المنتجة، وغرس بذور المعرفة ورعايتها لتنمو مع الحياة وتثمر العلم والمعارف كما أن المعلم المتمتع بشخصية قوية تفرض نفسها واحترامها ليس بحاجة إلى إيقاع العقوبات البدنية على الطفل أو المراهق.
فيما يقول الدكتور "أحمد حجي" الأستاذ بكلية التربية جامعة حلوان في تصريح لـ"بص وطل" أنه لا بد وأن تكون اختبارات القبول بكليات التربية مبنية على أسس علمية -قبل الترشيح- من مكتب التنسيق أسوة بالتربية الرياضية وغيرها، وتشمل تلك الاختبارات الجانب النفسي والتربوي للوقوف على مدى صلاحية المدرس للمهنة من الأساس، إضافة إلى عمل نظام "للترخيص" بمزاولة المهنة يجدد كل فترة "من 3 - 5 سنوات" بحسب التزام المدرس، علاوة على عمل ميثاق شرف للمهنة، ونظام جاد للمتابعة داخل المدارس وعمل أوجه زجاجية لأبواب الفصول تكشف ما بداخلها.